صورة ضبابية يعكسها الواقع المالي والاقتصادي المتأزم في لبنان عن مستقبل البلاد، في ظل مناخات سياسية ملبدة، وفراغ حكومي لم يجد طريقه لغاية اللحظة إلى تشكيل حكومة جديدة.
وكُلف الوزير السابق حسان دياب بتشكيل الحكومة بناء على الاستشارات النيابية الملزمة، خلفا للرئيس سعد الحريري، والذي ما زال يصرف الأعمال بنطاق ضيق. وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني.
ولا تقف حدود الأزمة في لبنان عند مستوى الفراغ السياسي، بل بات الحديث جديّا عن انهيار مالي يوشك أن يصيب مفاصل الدولة والمؤسسات الخاصة، والتي تعاني هي الأخرى من تردي الأوضاع وفقدان القدرة الشرائية للمواطن.
وأطلق خبراء اقتصاديون دوليون ومحليون تحذيرات بخطورة وصول لبنان إلى مرحلة يصعب علاجها سوى بعمليات جراحية تستهدف النظام المالي، تحت رعاية ووصاية دولية.
حقيقة “التلاعب“
استبعد الخبير الاقتصادي والمالي، الدكتور لويس حبيقة، توّرط القطاع المصرفي في عملية التلاعب بالعملة كما يتم تداوله مؤخرا.
وقال في تصريحات لـ”عربي21″: “لا يوجد أياد خفية بل الأمر متعلق بالعرض والطلب على الدولار، وقد تسبب نقص الدولار بارتفاع سعره قياسا إلى الليرة اللبنانية”، لافتا إلى أن “تصاعد سعر الدولار وهبوطه يتعلق بالمناخ السياسي والأمني“.
وأشار حبيقة إلى أن الأجواء السياسية تؤثر سلبا أو إيجابا بسعر صرف العملة، موضحا “يرتبط سعر العملة في كل دول العالم بالأمور السياسية، فعلى سبيل المثال يتأثر الجنيه في بريطانيا بالتصريحات والتوقعات السياسية، وكذلك تؤثر مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب على سعر صرف الدولار، ولا يقتصر ذلك على أسعار العملات بل يدخل في هذا المجال أسعار النفط وغيرها“.
وتحدث حبيقة عن صعوبة الوضع الحالي اللبناني متوقعا “ارتفاعات أخرى بسعر الدولار وسط تعثرات تشكيل الحكومة الأخيرة“.
واستبعد حبيقة “وصول سعر صرف الدولار إلى ثلاثة آلاف ليرة، لأن ذلك يعني انهيار مالية لبنان تماما، أو الوصول إلى هذه المرحلة لأن الأمور لم تخرج بعد عن السيطرة“.
ودعا أصحاب الودائع إلى عدم الخوف على أموالهم، منوها بأن “التخوفات تتعلق بأصحاب الودائع الكبيرة التي ربما تتأثر في حال استمرار الأزمة“.
وكشف الخبير الاقتصادي عن أن ما نسبته 88 بالمئة من ودائع اللبنانيين تحت سقف 50 ألف دولار، ما يعني بشكل حتمي عدم ضياعها.
واستدرك حبيقة، قائلا: “أرفض التخوفات، ولكن لا بد من الحذر في ظل ضبابية المشهد الراهن وعدم وضوح الحلول والمعالجات“.
المعالجات الممكنة
من جهته، قال الكاتب اللبناني، الدكتور شارل شرتوني، إن “المعالجات المطلوبة يجب أن تنطلق على خطين متوازيين سياسيا واقتصاديا من خلال إصلاحات بنيوية وذلك عبر منهجية تحظى بإجماع وطني بحدوده القصوى تقتضيها المرحلة البالغة الخطورة التي وصل إليها لبنان”.
ونوه في تصريحات لـ”عربي21″ إلى أن “التحذيرات الأممية واضحة بدعوة كل الأطراف في لبنان للعمل على معالجة الفراغ والمضي بالإصلاحات بسرعة كبيرة، تجنبا لمزيد من التدهور على المستويات كافة لا سيما على الصعيد الاقتصادي والمالي“.
واعتبر أن ما يطرح من أسماء في التشكيلة الحكومية الجديدة لا يوحي بالثقة “لأن المطلوب ليس المجيء بأشخاص مختصين وأصحاب كفاءة فحسب، بل يجب اختيار شخصيات مستقلة وجريئة قادرة على تطبيق ما يملي عليها ضميرها من دون أي خلفيات أو تأثيرات سياسية أو ضغوطات تفقدها إمكانية العمل بصوابية ما ينزع عنها ثقة المواطنين“.
ورأى أن ما يحدث في المصارف اللبنانية معيب لجهة منع أصحاب الحقوق من سحب أموالهم، وموضحا: “تُرسم علامات استفهام حول ما تفعله المصارف حاليا بحق المواطنين وسط تلاعب مقيت في الدولار، بينما تشير المؤشرات إلى أن تبريراتهم غير صحيحة وليست مبنية على معطيات واقعية“.
وتساءل: “أين الأموال التي حُولت إلى الخارج؟ وبعضها يحوم بشأنه شكوك بأنه يدخل في إطار الأموال المنهوبة، لا بل سمحت المصارف لتلك الأموال بأن تحوّل إلى الخارج فيما حُظر على أصحاب الودائع المتوسطة والضئيلة سحب أموالهم بذريعة عدم وجود السيولة الكافية“.
وعن الحلول المتاحة في المرحلة الحالية، قال: “يتوجب على القطاع المصرفي أن يتحمل مسؤوليته تماما، وعليه تحمل جزء من الخسائر بعدما حقق في السنوات السابقة أرباحا طائلة تشير إليها لغة الأرقام، فلا يمكن أن يتنصل المصرفيون من مسؤولياتهم ويلقونها على عاتق الأزمة السياسية“.
وبيّن أن “خبراء ماليين دوليين أشاروا في تقارير مختصة إلى أن القطاع المصرفي في لبنان منهوب ما يدلّل على مسؤولية المصارف على الوضع الحالي إلى جانب العوامل الأخرى”.