البيع والشراء واللعب بـ ‘عدّاد’ حصة الدولة ‘ماشي’!

27 يناير 2020
البيع والشراء واللعب بـ ‘عدّاد’ حصة الدولة ‘ماشي’!

كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة “نداء الوطن” تحت عنوان ” بين الـ 10 والـ 35… حكاية “إبريق البنزين”: ” تمكّنّا من إدخال الدولة في سوق استيراد المحروقات (البنزين) بنسبة 10% التي رفعناها الى 35% أسوة بالديزل (المازوت). وقد اتخذنا قرار استيراد الغاز المنزلي والخطة جاهزة للاستكمال في المنشآت النفطية…”. بهذه الكلمات، أنهت وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني مسيرتها الوزارية “الطويلة” و”المركّبة”، رامية كرات النار كلّها بيد الوزير الجديد ريمون غجر. فالوزيرة أعلنتها صراحة عندما قالت أثناء التسلّم والتسليم بأنها أدخلت منشآت النفط في طرابلس والزهراني الى سوق استيراد جميع المواد النفطية المكررة بنسبة 35% من دون أن تُبيّن كيف ستحقّق ذلك.
قبل كلّ شيء، دعونا نتطرّق الى هذا الإعلان الخطير الذي مرّ مرور الكرام على مسامع اللبنانيين من دون أن يُعار أي اهتمام. من وجهة نظر قانونية بحتة، فإنّ فرض حصص للاستيراد لمنشآت نفط طرابلس والزهراني من جهة وللشركات المستوردة من جهة ثانية يُشكّل حصراً جزئياً للاستيراد بالدولة، وبالتالي ضرباً واضحاً وصريحاً للقوانين. وبحسب المادة 27 من قانون تحديد مهام وملاكات وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة والنفط، لا يحق للوزارة اتّخاذ القرار بالحصر بما ان صلاحياتها تقتصر على منح الاجازات. كما ان هذه الصلاحية ليست استنسابية بل انها مقيّدة (واذا توافرت شروط منح الاجازة لجهة المواصفات ولجهة صفة مقدم الطلب، يتوجب على الوزارة منح الاجازة).

الى ذلك، يُعتبر حصر الاستيراد بالدولة ولو بنسب معينة مخالفاً للدستور الذي ينص في مقدّمته على ان الاقتصاد اللبناني اقتصاد حرّ لناحية إعطائه أفضلية غير مشروعة للمنشآت على الشركات التي تستورد المشتقات النفطية والتي بدورها تخضع لقانون التجارة.

عن الموضوع يوضح مرجع قانوني انه “اذا اعتبرت الوزارة ان وضع حصص (Quotas) يصبّ في خانة تأمين مخزون استراتيجي (Réserve Stratégique) لتغطية حاجات السوق المحلية في حالات خاصة يدخل ضمن المصلحة العامة، فإنّ هذا التعليل لا يستقيم لتبرير الحصر الجزئي بالمنشآت. وبالفعل، اذا استوردت المنشآت من اجل تأمين هذا المخزون الاستراتيجي فلا ضرورة لمنع الشركات الخاصة من الاستيراد بحرية، لا بل على العكس، فان استيراد الشركات سيأتي بالإضافة الى المخزون الاستراتيجي ويشكل فائضاً لا يمكن الا ان يفيد السوق. من هنا يمكن الجزم بأن هدف الحصر بالمنشآت ليس تأمين مخزون استراتيجي بل السماح للمنشآت بالمتاجرة والمضاربة من دون ان تتمكن الشركات المستوردة من المنافسة وبالتالي تأمين حصة من السوق المحلية للمنشآت وهو ما يُعتبر غريباً تماماً عن المصلحة العامة”.

المنافسة… والمضاربة

بالعودة الى تصريح البستاني، ماذا يعني “إعادة الدولة الى سوق الاستيراد؟” ومن قال ان الدولة تستورد 35% من الديزل وان عليها بالتالي استيراد الكمية عينها من البنزين والغاز؟ لقد فات الوزيرة ان الدولة لم تتوقف يوماً عن استيراد الفيول والمازوت عبر مؤسسة كهرباء لبنان والديزل عبر منشآت طرابلس والزهراني الخاضعة للقانون التجاري وهي للمناسبة ليست 35% بل انها لا تتعدى الـ22% بحسب مصدر مطّلع.

من هنا، ولو أرادت البستاني توسيع عمل المنشآت فكان بالأحرى دعم المنافسة الشفافة من خلال اتاحة مجال المضاربة بين الشركات التجارية والمنشآت على حد سواء بحيث يكون المستفيد الوحيد هو المواطن فيما تستمر الوزارة بإصدار جدول تركيب الأسعار ولكن باعتماد هامش حرّ محدد السقف مع ترك هذا الهامش للشركات الخاصة كما وللمنشآت بالإضافة الى وضع ضوابط لتأمين الحماية للمستهلك من الشراء بسعر اعلى من سقف الهامش. وهنا لا بد من الإشارة الى انه وحتى اليوم تحصل كل المضاربات بين الشركات المستوردة بين بعضها من جهة، وبينها وبين المنشآت من جهة ثانية لتكون الاستفادة حكراً على الموزّعين والمحطات دون المواطن.

من شأن اعتماد جدول تركيب أسعار مع هامش محدّد السقف بـ1000 ليرة (على سبيل المثال) كحد أقصى أن يحمي المستهلك من احتمال أي ارتفاع إضافي بالأسعار، وهو أيضا يفتح باباً للمنافسة النزيهة بين المحطات. وعليه فإن من يخفّض أسعاره تحت الهامش أو حتى تحت اساس السعر او يرفعها ضمن هذا الهامش كحدّ أقصى فهو يحدد حصة مبيعه من السوق لاعتبار ان من يبيع بأقل سعر يستحوذ على حصّة أكبر من السوق”.