أمّا بالأمس، ما كان همّنا التلفزيون، وإنما كنّا مسمّرين أمام البرّاد، نبحث عن لقمة نأكلها من بقايا آخر طبخة حضّرناها، وما كان همّ أحد متابعة جلسة مناقشة الموازنة في مجلس النواب، موازنة الـ72 ساعة التي أنتجها وأخرجها الحريري وفريقه السابق، لتفادي غضب الشارع وقتها، في محاولة لإسكاته أو تبنيجه، وما فلحت…
وإذا كان الحريري خائفاً من شارع غاضب، لماذا لم نرَ حسان دياب مرعوباً من وضع إقتصادي غير مسبوق، ووضع مالي مهترئ حتى العظم، ووضع معيشي يقزّم اليونان وفنزويلا، ووضع طبّي أسوأ من المستشفيات الميدانية في حرب فييتنام، ووضع أسعار يضعها التجّار بلا خوف وحياء، ووضع مؤسساتي يطرد ويشحّل ويخصم قبل أن يقتصد ويُقفل…؟ وإذا كان فريق الحريري حَبل لثلاثة أيام فقط قبل أن يلد موازنة، فماذا فعل حسان دياب وفريقه الوزاري التكنوقراطي المتخصّص، والمختار بعناية من على طبلية الشهادات والإنجازات والإبداعات في الـ192 ساعة التي قضاها في الحكم؟
192 ساعة، 8 أيام بالتمام والكمال في أحضان السراي الكبير، وفي بلد يحتضر على فراش الهندسات المالية المجحفة التي أفقرته ونتفته وأفرغته… 192 ساعة، والفريق الوزاري الذي أتى لينقذ البلد، تبنّى موازنة كانت مبنية على معطيات وحقائق ووعود مختلفة، واعتمد موازنة كان المجتمع الدولي مستعدّاً لدعمها وإنجاحها، أمّا اليوم فهو على قطيعة شبه تامة مع طقم سياسي غير موثوق به على كلّ المستويات.
192 ساعة إنتظر الشعب خلالها أي إنجاز أو قرار أو خطوة جريئة تقوم بها الحكومة الجديدة… 192 ساعة انتظر فيها الشعب طبخة حكومية جديدة، فإذ به يجد مجلس الوزراء يعيد تسخين “أكل بايت” من طبخة لم يقبل بها أصلاً.
192 ساعة مصيرية قضتها الحكومة في “طقّ الحنك”، فيما المطلوب منها كان أن تثبت للشعب اللبناني أنّها أتت لتنقذ وتغيّر وتحسّن، وتجد حلولاً إقتصادية وترسم هندسات مالية وتفرض سياسة تقشّفية تسمح للبنان ولشعبه أن يتنفّس نفساً واحداً، وإذ بها تغرق في نفس العقلية ونفس المنطق، وتسحب معها آخر ما تبقّى من الجمهورية.
وإذا سلّمنا جدلاً، أنّ الوزراء السابقين كانوا محازبين ومحكومين ومسيّرين، وإذا افترضنا أنّ الوزراء الجدد مستقلّون ومتخصّصون ومخيّرون… فبأي عقل ومنطق يمكننا أن نصدّق أنّ السابقين كانوا أفضل من الحاليين؟ وكيف استطاع غير المؤهلّين أن يتفوّقوا على المميزين ويفرضوا حتى عليهم أن يتبنّوا موازنتهم ورؤيتهم الاقتصادية؟
بالله عليكم، البلد في الهاوية، البلد في خبر كان بسببكم وبسبب سياساتكم وجشعكم وقلّة مسؤوليتكم… وأنتم تتكلّمون في الدستور…
بالله عليكم، البلد يحتاج إلى معجزة، وأنتم تبحثون في الكتب والتشريعات عمّا هو مسموح وغير مسموح…
بالله عليكم، لم يبق شيء واقفاً في هذا البلد إلّا أرجل كراسيكم الأربع، وأنتم محتارون ومشغولون كيف تكسرون أرجل الشباب والصبايا المنتفضين والمعترضين على سرقاتكم وتجاوزاتكم…
بالله عليكم، إخجلوا من فسادكم واستروا عوراتكم بقرار وطني واحد قبل نهايتكم… لأن “يلي استحوا ماتوا”.