وسط هذه الأجواء، تبقى الأنفاس مشدودة الى موعد طرح الثقة في المجلس النيابي، وردة فعل الشارع على هذه الجلسة، سواء في التظاهر على وقعها، او منع النواب من الوصول الى المجلس النيابي، في وقت تزيد السلطة من خناقها على الثوار، وتعمل على توقيفهم ومحاسبتهم.
الصيغة شبه النهائية للبيان الوزاري
اذاً، تتجه لجنة صياغة البيان الوزاري اليوم الى انهاء أعمالها، وتقول مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” إنّ اللجنة لم تنته بعد من صياغة البيان ولو أنّها قطعت شوطاً مهماً، لكنها تمنح نفسها مهلة إضافية يفترض أن تنتهي خلال الساعات المقبلة، لصياغة المسودة النهائية تمهيداً لإقرارها في مجلس الوزراء وتحديد موعد جلسات الثقة. اللافت، أنّ جلسات اللجنة تزامنت مع ورش متتالية استضافتها السراي الحكومي تهدف إلى الخروج ببيان يكون على قدر آمال اللبنانيين.
وتضيف المصادر أنّ النقاش بين أعضاء اللجنة اتّسم بالجدية والحيوية والايجابية والانفتاح، والحرص على عدم تسريب مضمون الورقة التي ستمثل على أساسها الحكومة أمام مجلس النواب، في لحظة غضب شعبي يخشى أن يتحول إلى بركان متفجر قد يخترق أسوار البرلمان، الذي تؤمن حمايته أرتال من القوى الأمنية.
وتجزم المصادر أنّ النقاش حول البيان الوزاري لم ينطلق أبداً من مسودة جاهزة، لا بل بدأت الصياغة من الصفر، حيث تولى كل وزير اقتراح الخطة التي يريدها لوزارته والانجازات التي سيسعى إلى تحقيقها، فضلاً عن المهل الزمنية التي سيلتزم بها. وقد تمّ “طبخ” الورقة بعد كتابة الشق السياسي المتصل بالعناوين الأساسية. وقد تنوّعت طبيعة السرد بين عرض للعناوين الكبيرة وبين غوص في التفاصيل التقنية، ربطاً بالبند المعني.
وبحسب “اللواء” فقد دخل مشروع البيان الوزاري في تفاصيل اعمال الوزارات ومشاريعها وخططها.لا سيما معالجة ازمة الكهرباء وقطاعات المال والاقتصاد والصناعة والزراعة والتنمية، ومكافحة الفساد، وبطريقة قابلة للتنفيذ، وهو ما يرجح ان يكون البيان الوزاري موسعاً ومفصّلا ومختلفا عمّا سبقه من بيانات وزارية.
وفي حال انتهاء الصياغة النهائية اليوم، سيتم توزيع نسخ عنه على الوزراء، لتعقد جلسة الاسبوع المقبل في القصر الجمهوري لإقراره بصيغته النهائية واحالته على المجلس النيابي، والذي لن يتمكن من عقد جلسة الثقة، قبل عيد مار مارون في 9 شباط الحالي.
وأفاد أحد الوزراء المقربين من دياب “الشرق الأوسط”، بأن الفقرة المتعلقة بالمقاومة ليست بالأمر السهل، وقد لا ترضي أوروبا وأميركا؛ لذا تتكثف المشاورات ويجهد دياب لإقناع القوى السياسية بجعل الأولوية في البيان الوزاري لتنشيط الوضعين النقدي والاقتصادي وإعطائهما الأولوية نظراً إلى خطورة انهيارهما.
وذكر المصدر الوزاري لـ”الشرق الأوسط”، أن الفقرات التي أصبحت نهائية أو شبه نهائية في مشروع البيان الوزاري هي المتعلقة بإنشاء حكومة إلكترونية وحل المجالس ووضع قانون جديد للانتخابات ونظام للشيخوخة وآخر للضمان الصحي الشامل.
ويستهل مشروع البيان الوزاري بمقدمة تؤيد الانتفاضة الشعبية، وفي نصها: “أتت هذه الحكومة نتيجة نقمة شعبية على كل مساحة الوطن، صرخ خلالها اللبنانيون من وجعهم من جراء عيشهم الذليل في بلد لا يؤمّن لهم أدنى متطلبات العيش الكريم. وأعلن الشارع مطالبه بوضوح منذ اليوم الأول ورغبته في تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة سيادية من اختصاصيين قادرين مستقلين عن الأحزاب التي تولت السلطة لعقود، وذات صلاحيات تشريعية استثنائية، وذلك كخطوة أولى لبناء دولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي والتوازن البيئي والدولة المدنية. إنها ولا شك مرحلة صعبة ودقيقة في تاريخ لبنان؛ إذ إننا في خضم أزمة اقتصادية، مالية، ونقدية تؤثر على جميع أطياف المجتمع، وتولد كارثة اجتماعية ضحيتها الأولى هم الفقراء، وتجعل ممن تبقى من الطبقة الوسطى فقراء أيضاً”.
ويشير نص “المسودة” الذي حصلت عليها “الشرق الأوسط” إلى أن “أعمال الحكومة تقتصر على محاور، أهمها (وقف التدهور المالي)؛ و(تعزيز شبكة الأمان الاجتماعية)، و(وقف مزاريب الهدر ومكافحة الفساد)؛ و(إعداد قانون عادل للانتخابات النيابية)”. ويوضح أن وقف التدهور المالي يتم باتخاذ إجراءات عدة، من بينها “اعتماد سياسة جريئة لإدارة سعر صرف الليرة اللبنانية؛ وذلك منعاً لانهيارها التام، وإصدار مرسوم اشتراعي ينظم عملية ضبط حركة رأس المال (Capital Control) ،ويضع أسُساً وفترة زمنيّة لها، واعتماد أعلى درجات الشفافية فيما يتعلق بكشف حسابات المصرف المركزي لتحديد وضعية رؤوس الأموال المودعة لديه من قبل المصارف وموجوداته كافة”.
وفي ملف إعادة هيكلة القطاع المصرفي، يتحدث البيان عن “منع أي هندسة مالية مستقبلية لتعويض نقص الربح وتحميل أصحاب المصارف وكبار المودعين العبء الأكبر، الذين استفادوا من السياسات المالية في الماضي”، إضافة إلى “تشديد الضوابط لمنع المصارف من التعرّض لاستثمارات خطيرة”، و”التحقيق الفوري بالتحويلات إلى الخارج التي حصلت بعد 17 تشرين الأول ونشر نتائجها، بالإضافة إلى مساءلة المصارف عن استنسابية التعامل مع المودعين”، و”التفاوض على أي إجراء استثنائي إضافي لازم”.
كما تلتزم الحكومة “تعزيز شبكة الأمان الاجتماعية”، عبر “مكافحة الفقر المدقع ومساعدة الأسر الأكثر فقراً”، و”اعتماد نظام صحي شامل لتغطية جميع اللبنانيين”، و”ضمان شيخوخة لجميع اللبنانيين”، و”اعتماد نظام ضريبي جديد منصف لفائدة الطبقة الوسطى والفقيرة”، إضافة إلى “دعم شركات القطاع الخاص وتحديداً المتوسطة والصغيرة الحجم ومعالجة الخلل البنيوي للاقتصاد اللبناني لنقله من اقتصاد رَيعي إلى منتج يخلق فرص عمل مستدامة ويزيد التصدير ليعالج بالتالي أزمة ميزان المدفوعات وأزمة الميزان التجاري”، و”إعادة تقييم مشاريع البنى التحتية المقترحة على مؤتمر سيدر، بناءً على جدواها الاقتصادية، والحاجة إليها، وأثرها البيئي (المحارق، سد بسري، الخ…)، وعدالة توزيعها على المناطق الأقل إنماء”.
كما تلتزم الحكومة “وقف مزاريب الهدر ومكافحة الفساد؛ وذلك باتخاذ الإجراءات التي تشمل الإدارة عبر تعزيز وتطبيق مفهوم التدقيق الداخلي في صلب عمل الإدارات والمؤسسات العامة كافة”.
الثقة على المحك
وفي ما يتعلق بالثقة التي من المتوقع أن تنالها الحكومة، أوضحت أوساط سياسية مطلعة لـ”النهار” أن خريطة المواقف السياسية والنيابية من منح الحكومة الثقة أو حجبها عنها ستتضح خلال الأسبوع المقبل وقبل تحديد موعد الجلسة النيابية، ذلك أنه من المستبعد أن يتبدل الفرز السياسي الذي نشأ عقب تأليف الحكومة بين الكتل الداعمة لها والكتل المعارضة لها وان يكن الجميع لن يحدّدوا مواقفهم قبل صدور البيان الوزاري واتضاح عناوين الخطط والسياسات الحكومية من خلاله. وقالت إن جوهر الحركة السياسية كما التحركات الشعبية في الأسبوعين المقبلين اللذين سيكون البيان الوزاري وجلسة الثقة محورهما، سيتركز على الأزمة المالية في المقام الأول خصوصاً بعدما برزت تطورات جديدة في الأيام الأخيرة في الآليات والقيود المصرفية والاجراءات التي تتبعها المصارف وسط مناخ تراجع الثقة وانتظار ما اذا كان البيان الوزاري سيتضمن من جهة خطة إنقاذ مقنعة ومطمئنة للناس فعلاً ومن جهة أخرى خطوات إصلاحية جدّية وقابلة للتنفيذ للتوجه بها الى الدول والمجتمع الدولي.
الوضع الاقتصادي أولاً
الانظار تتجه إلى الإجراءات التي يعتزم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الاقدام عليها، بالاتفاق مع المصارف، وبغطاء سياسي، وضمن صلاحياته الاستثنائية التي يمنحه إياها قانون النقد والتسليف/ المادة 174:
1- رفع نسبة السحب النقدي من 200 أو 300 دولار إلى 1000 دولار اسبوعياً، شرط ألا يتجاوز السحب الشهري 6000 دولار شهرياً.
2 – تسعير الدولار في المصارف بـ2000 ليرة لبنانية، وذلك لإبقاء الدولار داخل المصارف، وعدم سحبها إلى السوق السوداء.
3- تقديم ما يلزم من تسهيلات لتوفير الاعتمادات لشراء واستيراد السلع الغذائية كالسكر والارز، بالإضافة إلى المعدات الطبية والادوية، وكذلك أدوات ومسلتزمات الصناعة، لتحريك الاقتصاد ودورة الإنتاج، للحد من البطالة، وتوفير فرص عمل للشباب اللبناني، والحد من البطالة والهجرة.
4- صرف النظر كلياً، عن فكرة الـhaircut، أي الاقتطاع من ودائع المواطنين، أياً يكن حجمها أو كميتها..
وأكدت مصادر مصرفية لـ”اللواء” ان الهدف إبقاء الدولارات داخل المصارف، وعدم استخدامها في السوق السوداء.. أو سوى ذلك..
وأوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ”اللواء” ان هذه التدابير يرتقب ان يتخذها حاكم مصرف لبنان عملا بصلاحياته بعد أخذ رأي السلطة السياسية، ولفتت الى أن الحاكم تيقن ان القوانين قد لا تكون مرنة اذا تم الاتجاه نحو القانون او ان المراسيم قد لا تكون متاحة اذا تم الذهاب الى مجلس الوزراء في حين ان اي تدبير قد يتخذه الحاكم مؤقتا وبصورة استثنائية يدخل في صلاحياته ضمن المادة 174 من قانون النقد والتسليف.
وقالت ان الاهتمام اليوم ينصب على ترقب التدابير النقدية التي تريح اللبنانيين بشكل جدي وان لم تأت بالحلول الكاملة لأنه في نهاية المطاف هم احرار في اموالهم بالتأكيد. واشارت الى رغبة رئيس الجمهورية ببيان وزاري وثقة والحد من تأثير تداعبات ما سمي “بصفقة القرن” متحدثة عن إجماع لبناني على رفضها لما تشكل من مخاطر كيانية وميثاقية ودستورية.
وتحدثت عن ايلاء الرئيس عون ملف النزوح السوري الاهتمام بعدما تبلغ رئيس الجمهورية تقرير صندوق النقد الدولي الذي جاء فيه: “ان النزوح السوري كلف لبنان 25 مليار دولار حتى تاريخه، وقد وصف عون التقرير بالموجع والمفاجىء في الوقت نفسه وبالتالي فإن رئيس الجمهورية يسأل عن ماهية الحلول لمسألة النزوح السوري. وقالت ان المهم لديه ان تقلع الحكومة في عملية الانقاذ”.
وأعربت مصادر الهيئات الاقتصادية لـ “اللواء” عن ارتياحها للاجتماع المطوّل والصريح الذي جمعها مع الرئيس دياب، ونقلت تفاؤلاً حول نظرته لمعالجة المشاكل التي سيكون لها حلول، كما يُؤكّد، وهو يُشدّد (أي دياب)، على ان الامور غير مغلقة كما يصور البعض، وان المعالجات تكون من خلال تعاون وتواصل بين الهيئات الاقتصادية والوزارات المختصة، حسب كل قطاع.
ولمست المصادر جدية من قِبل رئيس الحكومة في العمل للتوصل إلى حلول، داعية إلى انتظار نيل الحكومة الثقة، وتوقعت ان يتم الإضاءة في البيان الوزاري على المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلد، ووضع النقاط على الحروف، خصوصا ان المشاكل ليست جديدة بل هي متراكمة عبر السنوات الماضية، وشددت المصادر على اهمية اتخاذ الاجراءات الاصلاحية في كافة الوزارات لمعالجة المشاكل التي تعاني منها، وتنقل المصادر عن الرئيس دياب اطمئنانه للمسار الذي ستؤول اليه الامور، وتأكيده انه سيكون هناك تعاون ما بين الهيئات الاقتصادية والوزارات من خلال كل قطاع والوزارة المعنية بشكل منفرد لوضع القطار على السكة لايجاد المعالجات المطلوبة.
وفي معلومات “اللواء” انه تمّ التأكيد خلال الورشة على ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لتسهيل استيراد المواد الاوّلية للمصانع، من أجل تحويل الاقتصاد من “ريعي” إلى “منتج” حتى ولو اقتضى الامر تحديد سقف التعامل المالي بالعملة الاجنبية من أجل استمرار عملها، لأنه في حال توقفت الحركة الصناعية سنشهد مزيداً من البطالة.
ورشة حكومية – نيابية
على صعيد آخر، ذكرت مصادر نيابية في كتلة كبيرة لـ”اللواء”، ان مرحلة ما بعد نيل الحكومة الثقة النيابية ستشهد فوراً ورشة عمل حكومية ونيابية كبيرة تتعلق بمعالجة وقوننة كل الملفات الاصلاحية والخدماتية بما يواكب مطالب الحراك الشعبي ويمثل خطوات تنفيذية للبيان الوزاري، عبر رزمة تشريعات نيابية بعضها كان مدرجا على جدول اعمال الجلسة التشريعية التي الغيت تحت ضغط الشارع، وتضمنت عشرة مشاريع واقتراحات قوانين لمكافحة الفساد واسترداد المال المنهوب وإقرار قانون السلطة القضائية المستقلة.
وكشفت المصادر ان اللجان النيابية المشتركة انهت درس واقرار مشروع قانون الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهي خطوة اساسية على طريق الاصلاح وتلبي احد مطالب الحراك الشعبي. كما ان المجلس النيابي بصدد مواكبة اجراءات الحكومة ومصرف لبنان في معالجة الازمة الاقتصادية والنقدية والمصرفية وخفض الفوائد على الديون والايداعات وقروض الاسكان. واذا استلزم الامر بعض التشريعات في هذا الخصوص سيتحمل المجلس مسؤولياته.