تعترف غالبية السياسيين أنّ الأزمة التي يمرّ بها لبنان، ليست عابرة بل عميقة وطويلة. ومهما تعددت أسباب الأزمة الإقتصادية ـ المالية ـ النقدية الراهنة، فإنّ منبع كلّ الأزمات هو سوء الإدارة السياسية الذي يتحمّل مسؤوليته كلّ من شارك في الحكم منذ 1990 الى الآن. فالدولة التي أُغرقت مؤسساتها بالفساد وإداراتها بالهدر، وأغرقت نفسها والمصارف في الديون، تفرض على اللبنانيين دفع ثمن سوء إدارتها مراتٍ ومرات، وها هي الآن تنهب ودائعهم المصرفية بطُرقٍ ملتوية، بعدما بذّرت عائدات الضرائب والرسوم والهبات ولم تُحسن استثمارها وتوزيعها.
وفي حين تستمر معاناة اللبناني، الذي يقف “مذلولاً ومُهاناً” على أبواب المصارف، منتظراً دوره للحصول على بضعة دولارات كلّ 15 يوماً، يتسابق السياسيون والمصرفيون على “التمريك” بعضهم على بعض، حول “هوية” أصحاب الأموال المُحوّلة أو “المُهرّبة” الى الخارج منذ 17 تشرين الأول 2019، والتي تُقدّر بنحو مليارين و300 ألف دولار أميركي.
فلماذا سُمِح بتحويل هذه الأموال؟ ولماذا لا تُكشف هوية أصحابها، خصوصاً بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أنّ هذه الأموال تعود الى أصحاب 5 مصارف كُبرى؟
تؤكّد مصادر مصرفية مسؤولة لـ”الجمهورية” أن “لا معلومات عن هويّة أصحاب الأموال المُحوّلة الى الخارج، ولا إثبات على المعلومة التي وصلت إلى برّي، والتي قد تكون مغلوطة”. وتشير الى “تعذّر كشف هوية أصحاب هذه الأموال وفق قانون السرية المصرفية”، لافتةً الى أنّ “ضغط الشارع والرأي العام يُمكن أن يؤدّي الى تعديل القانون ورفع السرية المصرفية”.
وتوضح أنّ “هناك فارقاً بين خروج الأموال أو هروبها وبين تهريبها. فتحويلها الى الخارج لا يعني أنّها مشبوهة، وهي تكون مشبوهة حين يكون مصدرها مشبوهاً”، معترفة بـ”ترتّب مسؤولية أخلاقية وأدبية على المصارف في هذا الإطار، فلا يُمكنها تحويل مليارات الدولارات الى الخارج وهي لا تُعطي بقية المودعين أكثر من عشرات الدولارات شهرياً”. وتقول: “لكن هذه العملية أخلاقية وأدبية فقط، ولا يُعاقب عليها القانون”.