يتصاعد السجال حول سداد لبنان استحقاق ديونه المتوجب عليه في 8 آذار المقبل. وتتضاءل المدة الزمنية المتبقية لاتخاذ القرار المناسب حيال آلية التعامل مع هذا الاستحقاق، في ظل تفاقم الأزمة المالية وما يترافق معها من شح بالدولار، نتيجة التراجع الدراماتيكي لاحتياطات مصرف لبنان.
الاستشارة التقنية
منذ أيام فتح رئيس مجلس النواب نبيه بري الباب على الاستعانة بصندوق النقد الدولي، لطلب استشارة تقنية، مستفيداً من المدّة الزمنية الفاصلة عن موعد سداد استحقاق “اليوروبوند” الأوّل في آذار، وقيمته 1.2 مليار دولار. بعد دعوة بري، بدأ العمل جدّياً على توجيه طلب رسمي من الدولة اللبنانية إلى صندوق النقد الدولي، للاستعانة باستشارة تقنية. وهو ما حصل فعلاً. ومن المتوقع حضور وفد فني من صندوق النقد خلال الأيام القليلة المقبلة، لتقديم المساعدة على وضع خطة مالية نقدية شاملة للإنقاذ، تشمل آلية التعامل مع استحقاقات اليوروبوندز لعام 2020.
وهنا لا بد من التذكير أن استحقاقات اليوروبوندز للعام 2020 لا تقتصر على استحقاق آذار، البالغ 1.2 مليار دولار، بل تشمل أيضاً استحقاق سندات بقيمة 700 مليون دولار منتصف شهر نيسان، وسندات أخرى بقيمة 600 مليون دولار في شهر حزيران. ويُضاف إليها (بحسب تقرير “الدين وأسواق الدين” الذي تعدّه وزارة الماليّة وتطرقت إليه “المدن” في وقت سابق) مبلغ 2.7 مليار دولار قيمة الفوائد، التي يُفترض أن يدفعها لبنان بالدولار كفوائد على الدين العام المعنوَن بالعملة الأجنبيّة.
وفي حين لم تتضح الرؤية حتى اللحظة حول جدوى الاستشارة الفنية من صندوق النقد الدولي، نظراً لضيق الوقت الفاصل عن الاستحقاق الأول (أقل من 24 يوماً)، تردّدت معلومات حول درس أكثر من طرح للتعامل مع استحقاقات اليوروبوندز، تتفق جميعها على أن يشمل الحل الاستحقاقات الثلاث، وليس استحقاق آذار وحسب. وعلمت “المدن” بتقّدم النقاشات في الإجتماعات المالية والاقتصادية في السراي الحكومي باتجاه إجراء عملية استبدال الدين بسندات جديدة تُستحق عام 2023. وهو ما يُعرف بعملية سواب swap.
جمعية المصارف: تحذير شديد اللهجة
ارتفاع حظوظ الخيار المذكور وهو إجراء عملية سواب، وإن كان غير محسوم حتى اللحظة، إلا أنه استنفر جمعية المصارف التي توجّهت بكلام شديد اللهجة إلى السلطة، حذّرت فيه من عواقب عدم الالتزام بسداد استحقاق آذار المقبل (1.2 مليار دولار)، مستغلّة ضيق الوقت وضياع السلطات المالية والنقدية والسياسية، لتؤكد عدم جدوى إعادة برمجة الدين أو إعادة هيكلته بالتفاهم مع الدائنين. إذ يتطلب ذلك -وفق جمعية المصارف- وقتاً واتصالات وآليات تتطابق مع المعايير الدولية، ومع المقاربات المماثلة التي اعتمدتها دول أخرى. وتستدعي الاستعانة بالجهات الدولية المختصّة من أجل بناء برامج مالية ونقدية ذات مصداقية.
وإذ شدّدت المصارف على ضرورة سداد استحقاق آذار في موعده، حمايةً لمصالح المودعين، ومحافظةً على بقاء لبنان ضمن إطار الأسواق المالية العالمية، وصوناً لعلاقاته مع المصارف المراسلة والدائنين الدوليين، دعت إلى الشروع فوراً في الإجراءَات المطلوبة لمعالجة ملف الدين العام بكامله.
المصارف بدعوتها تلك أرادت اللعب على عامل الوقت حماية لمصالحها، من خلال دفع الدولة إلى الالتزام بسداد استحقاق آذار، مهما كلّف الأمر، لاسيما بعد أن باعت المصارف جزءاً من حصتها من السندات إلى مستثمرين دوليين، بحيث أصبح غالبية استحقاق آذار (نحو 60 في المئة) مملوكاً من دائنين دوليين، وأقل من 40 في المئة من الاستحقاق مملوكاً من المصارف اللبنانية.
مجموعة الدائنين
ويتخوّف خبراء اقتصاديون ومنهم الباحثة الاقتصادية ديمة كريّم من تقديم مصلحة المصارف على المصلحة العليا للدولة اللبنانية ومواطنيها “لاسيما أن السلطة تعمل على حماية المصارف وتجنيبها أي أعباء من خلال العمل على سداد ديونها مهما كلّف الأمر”، تقول كريّم في حديثها لـ”المدن”. فخلية الأزمة برمتها مؤلفة من مصرفيين.
ومع ارتفاع حدة النقاشات في لبنان حول آلية التعامل مع استحقاق اليوروبوندز في آذار المقبل ونظراً لتقلّص المدة الزمنية الفاصلة، ارتفع مستوى احتمال عدم السداد وعليه نظمت مجموعة من الدائنين الدوليين من بينهم شركتا Greylock Capital و Mangart مجموعة نقاش غير رسمية للعمل على تقييم خيارات بشأن كيفية إدارة المقرضين لتطورات الوضع في لبنان. وأعربت المجموعة وفق ما أوردت وكالة “رويترز” عن نيتها تسهيل التواصل بين الدائنين المختلفين واستعدادها للإنخراط في أي مباحثات مع لبنان.