بدءاً بالتسمية، فإنّ لقب التاجي الذي أطلق على الفيروس الجديد يصحّ أيضاً لمرضنا القديم الذي لطالما وضع اللصوص على العروش وألبسهم التيجان وأوصلهم إلى مناصب لا يستحقونها، لا كفاءةً ولا أخلاق.
ومفعول الأوّل على الخلايا البشرية شبيه بتأثير الثاني على طباع البشر. فهذا يدخل إلى الخليّة، يتكاثر داخلها، فيبدّل من طبيعتها حتّى تصبح غريبة عن محيطها، وذلك يصيب الأخلاق والطباع، فيزيل منها كلّ الفضائل التي أوصت بها القوانين والشرائع.
أمّا انتقال المرض الجسدي بين المصابين عن طريق العدوى المباشرة فهو يصحّ أيضاً لانتقال الفساد بين أفراد المجتمع، في بيئة تخلو من المراقبة والحساب. حيث أنّ نجاح الفاسد في اعتلاء المناصب هو أكبر سبب في تحفيز الآخرين على سلوك الطريق نفسه وغياب المحاسبة هو العامل المطمئن لأجل استمرار هذا السلوك وامتداده.
وسمات التبدل والتطور والتلوّن تلتقي لدى الوباءين أيضاً. فالأوّل يغيّر من تركيبته الجينية كلّ فترة فيصعب على الجهاز المناعي التعرف عليه ومحاربته، وكذلك الفاسدون يورثون المناصب لأبنائهم وأتباعهم، ويبدّلون في خطابهم وانتماءاتهم، ويركبون موجات المعارضة والموالاة متى يناسبهم، وكلّ ذلك للتضليل والإستمرار وحماية مراكزهم.
معادلة واضحة.. لقد ثبت أنّ أهمّ عامل ساهم في انتشار الفيروس بشكل كبير، كان تجاهل الناس له واعتباره أمراً عادياً، فتابعوا حياتهم بشكل طببعي من دون أيّ وقاية.. وكذلك الأمر، فإنّ تغاضي الناس عن فساد الآخرين واعتباره سلوكاً طبيعياً، يساهم في انتشاره إلى حدّ الإستحالة في القضاء عليه.
لهذه الأسباب، وكما اتُّبعت، ولو متأخّرة، أساليب الحدّ من انتشار الفيروس في العالم، يجب علي الشعب الذي يريد استرداد حقوقه المهدورة اتّباع الأسلوب نفسه. فكما يجب تطبيق مبدأ التباعد الإجتماعي تجنّباً لاحتمال الإصابة بالفيروس، كذلك يجب عدم الإعتراف بشرعيّة الفاسدين المُثبت فسادهم “حتّى العظم” والّذين يثبتون كلّ يوم عدم أهليّتهم لإدارة بلاد أو حتّى لملء كرسيّ لم يستحقّوه بجدارة.
الجدير بنا اليوم هو عدم السماح لهم باستغلال الظروف الإقتصادية والصحية والإجتماعية من أجل إلهاء الناس عن قضيتهم الأسمى، وهي استرداد وطن ودولة نُهبا.
لقد خالجني هذا الشعور عند مشاهدة خيام الثورة تٌزال من وسط بيروت بداعي “التعقيم”، ووعند سماع المسارعة والمبارزات لإظهار حبّ المسؤولين للمغتربين الذين تغرّبوا على أيديهم، وعند الإستماع إلى المنظّرين الذين يضعون الخطط لمحاربة الكورونا بعدما اسهموا في إيصاله.
فكما يُنتظر اللقاح للقضاء على فيروس كورونا، يجب الإستمرار في النضال حتّى يكون لقاحنا الشافي إسقاط بعض الرموز، وهم كثر، ومحاسبتها واستبدالها بنظيفي الكف، ورزيني العقل، وبمن عدل ميزانه.