موقف حاسم لمجلس القضاء الثلاثاء: تجزئة التشكيلات طعنة للعدالة

ما ابتدعته الوزيرة عجزت أزمنة الوصاية عن ابتداعه

18 أبريل 2020
موقف حاسم لمجلس القضاء الثلاثاء: تجزئة التشكيلات طعنة للعدالة

كل الأسباب الموجبة التي علّل فيها مجلس القضاء الأعلى دوافعه لإصدار التشكيلات القضائية، لم تقنع وزيرة العدل، ماري كلود نجم، وفريقها السياسي، للإفراج عن مرسوم التشكيلات المجمّد في وزارة العدل منذ أسابيع. وبدل تصحيح الخطأ والمسارعة إلى توقيع المرسوم وفق الأصول، ارتكبت الوزيرة المؤتمنة على حماية القضاء خطيئة ترقى إلى مستوى الجريمة، فسددت طعنة قاتلة في صميم العدالة، عبر اللجوء إلى تجزئة التشكيلات بمرسوم يشمل القضاة العدليين وآخر محصور بقضاة المحكمة العسكرية، لتشرّع الأبواب على مزيد من التدخلات السياسية في عمل القضاء، وتفوز بـ”براءة اختراع” اسمها “حتمية إبداء وزيرة الدفاع رأيها في التشكيلات بما يتلاءم مع الأجندة السياسية التي عينتهما في الموقعين الوزاريين، وهو ما عجزت أزمنة الوصاية عن ابتداعه”.

المنحى الخطير
وبدل تصحيح الخطأ أو أقلّه محاولة تبرير الخطيئة، جاء بيان وزيرة العدل ليضفي مزيداً من الغموض على السياسة التي تنتهجها، إذ اعتبرت إن “تجزئة مرسوم التشكيلات من شأنه أن يحصر توقيع وزيرة الدفاع بمرسوم تعيين القضاة العدليين لدى المحاكم العسكرية، وفقاً للمادة 13 من قانون القضاء العسكري، من دون توقيعها على تشكيلات القضاة العدليين”. غير أن هذا التبرير زاد الطين بلّة وعمّق الأزمة، أكثر مما تتوقع وزيرة العدل التي حاولت التعمية على كثير من الحقائق التي لا يعرفها الرأي العام، لكن يصعب تمريرها على المراجع القانونية، التي عبّرت عن صدمتها للمنحى الخطير الذي تمعن وزيرة يفترض بها أن تكون صاحبة اختصاص، وهي الآتية من رحم مهنة المحاماة، وأستاذة القانون الجزائي في أهم كليات الحقوق في لبنان وأعرقها.

مخالفة صريحة
وإذا كان قرار الوزيرة غير المقترن بقناعتها على ما يبدو، يقدّم مصلحة فريق سياسي على مصلحة السلطة القضائية، فإن ثمّة آثاراً سلبية ستترتّب عليه، لأنه يؤسس لأعراف جديدة لا يخدم القضاء، وتقوّض كل محاولات تكريس استقلالية السلطة القضائية، وهنا يؤكد مصدر قضائي أن “تجزئة التشكيلات تشكّل مخالفة صريحة للقانون لأن المرسوم لا يجزّأ، أولاً، ولأن التجزئة تبقي التشكيلات في دائرة التعطيل”، مذكراً بأن “القضاة المعينين في المحكمة العسكرية لديهم أكثر من مهمّة، وهم منتدبون إلى مهام أخرى في المحاكم العدلية إلى جانب مسؤولياتهم في المحكمة العسكرية”. ويقول “إذا كانت الوزيرة تعلم بهذا الأمر وتجاهلته فتلك مصيبة، وإن كانت لا تعرف فالمصيبة أكبر”، داعياً إياها الى “الاستئناس بآراء خبراء القانون، بدل الالتزام الأعمى بأجندة سياسية معينة”.

جلسة طارئة
وفيما لم يتبلّغ مجلس القضاء الأعلى رسمياً قرار تجزئة التشكيلات، تلقّى إشارات سلبية حيال موقف وزيرة العدل، الذي يتعارض مع ما اتفق عليه في الاجتماع الأخير بينهما، وعلمت “المدن” أن مجلس القضاء سيعقد جلسة طارئة يوم الثلاثاء المقبل، “لبحث شؤون قضائية مهمّة، وعلى رأسها أزمة التشكيلات القضائية، وسيتخذ الموقف المناسب بشأنها”. وتشدد مصادر متابعة لملفّ التشكيلات، على أن “مجلس القضاء غير مقتنع بفصل التشكيلات إلى مسارين مختلفين، وإدخالها في دهاليز التناحر السياسي”. وتقول “إما تصدر التشكيلات بالصيغة النهائية التي أقرها مجلس القضاء، وأعاد التأكيد عليها بالاجماع في ضوء ملاحظات وزيرة العدل، وإما يتحمّل المعطلون مسؤولية ما يؤول إليه الواقع القضائي في لبنان”.

إرباك وتخبّط
ورغم قرار التجزئة، فلم يصدر حتى الآن مرسوم التشكيلات، أقلّه بالجزء الأول المتعلّق بالقضاء العدلي، ولم يوقع من قبل رئيس الجمهورية حتى الآن. كما أن مجلس القضاء لم يتسلّم بعد ملاحظات وزيرة الدفاع بعد رمي كرة التشكيلات في ملعبها. وهذا يثبت مدى الإرباك الذي تتخبّط به الجهات السياسية المعنية بتعطيل التشكيلات”. وهنا يكشف المصدر المتابع مسار التشكيلات لـ”المدن”، عن أن “رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي استندت إليه الوزيرة ماري كلود نجم لتجزئة التشكيلات، شكّل إحراجاً كبيراً لها بالدرجة الأولى ولمرجعيتها السياسية”. ولفت إلى أن “قرار هيئة التشريع والاستشارات تضمن في مقدمته اعتراضاً مفصلاً ومعللاً من رئيسة الهيئة القاضية هيلانة إسكندر المشهود لها بالكفاءة والنزاهة والتحرر من القيود السياسية، إذ سجلت اعتراضاً واضحاً على هذه التجزئة، لكن القرار صدر بأكثرية عضوين من أصل ثلاثة لصالح التجزئة التي ترضي وزيرة العدل ومن يقف وراءها”.

انقلاب على القانون
أما الطامة الكبرى ــ تضيف المصادر، فقد “جاءت في قرار الهيئة الاستشارية العليا، الذي جزمت بعدم جواز فصل مرسوم التشكيلات إلى مرسومين، وأيّد بالمطلق صوابية هذه التشكيلات بصيغة واحدة تصدر عن مجلس القضاء، خصوصاً إذا كان مجلس القضاء مجمعاً على التشكيلات وليس منقسماً حولها”.

وهنا تتزاحم الأسئلة عمّا إذا كان الفريق الحاكم، المواظب على رفع شعارات “الإصلاح والتغيير” جاداً في تحويل هذا الشعار إلى واقع، أو أنه يتخذ منه وسيلة للانقلاب على القانون وإحكام السيطرة على مفاصل الدولة بطرق ملتوية، خصوصاً وأن المراكز القضائية التي يحاول الاستئثار بها، تشكل الأدوات الأهم للحكم، والتي تعزز دوره إلى جانب المواقع الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية.

المصدر المدن