بلا منازع، نجح سمير جعجع بتحويل نفسه إلى نجم لقاء بعبدا. اختار رئيس القوات المناسبة التي أراد العودة فيها بقوة إلى المسرح السياسي.
المسرح، وليس المشهد السياسي الذي لم يغب عنه.
حسابات كثيرة دفعت جعجع إلى خطوة زيارة قصر بعبدا.
تتجمع لديه عوامل متعددة تدفعه إلى زيارة “قصر الشعب”، وما يرمز إليه دستورياً، سياسياً، مؤسساتياً، ومسيحياً.
في المواجهة.. والمهادنة
زار جعجع بعبدا بعد جملة عوامل وتطورات. منها، لقاء سرّي بين الرئيس سعد الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل. زيارة وليد جنبلاط إلى قصر بعبدا ولقائه عون، استمرار انعدام الثقة والتنسيق بين جعجع وسعد الحريري.
زيارتا حسان دياب وجبران باسيل إلى عين التينة، وفتح مرحلة جديدة من مراحل التهدئة السياسية.
لا يريد رئيس حزب القوات أن يكون في عزلة.
لن يسمح لنفسه بتضييع مكتسبات مسيحية هائلة حققها منذ التسوية الرئاسية، إلى ثورة 17 تشرين.
عند المواجهة، يكون في أوائل طلائعها.
وعند المهادنة، أيضاً لا يبقى معزولاً لتبديد ما راكمه. فلا يريد أن يظهر في صورة المعرقل والمقاطع لفعل المقاطعة فقط. إذا كانت مقاطعة الحريري للقاء بعبدا ترتد عليه إيجاباً في الشارع السنّي، فإن مقاطعة جعجع حتماً كانت ستنعكس عليه خسارة مسيحية لا يمكنه تكبدها.
منبر القصر الجمهوري
ذهب جعجع إلى بعبدا وفي رأسه صور متعددة. عدم قطع الزعامات المارونية التاريخية مع رئاسة الجمهورية مهما بلغ الخلاف من استفحال.
بيار الجميل، كميل شمعون، بشير الجميل وغيرهم من الذين لم يقاطعوا القصر الرئاسي، ولم يقطعوا خيط التواصل مع رؤساء الجمهورية الذين كانوا على خلاف معهم، لا سيما في سنوات التوتر العنيف في السبعينيات مع سليمان فرنجية والياس سركيس.
اختار جعجع منبر القصر الجمهوري، وطاولة اللقاء لإبداء اعتراضه على الخطّة. صوب على الحكومة بطريقته، وحاول إحراجها.
كما ضرب من باب ملف الكهرباء والمعابر والمطار.
مواقف اعتاد جعجع على تكرارها، لكن وقعها سيختلف أمام الناس، ولا سيما المسيحيين حين تُطلق من بعبدا.
لا تنفصل زيارة جعجع عن مسار تهدوي بدأ منذ فترة.
وتحديداً بدأت إشاراته بالظهور منذ أكثر من أسبوعين، بعد مساع دولية وديبلوماسية دخلت على خطّ التهدئة، بعد الاشتباك الكبير بين رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان.
نشاط السفراء.. وصندوق النقد
توسعت مساعي التهدئة، نحو القوى السياسية، بين عون وجنبلاط، بري وكل من دياب وباسيل. وهي التي انعكست بموقفي عون ودياب حول رفض سياسة تصفية الحسابات وفتح دفاتر الماضي.
يأتي هذا الكلام التراجعي، وسط كلام آخر عن مساع تبذل لتخفيف التوتر بين سعد الحريري وميشال عون، وصولاً إلى عقد مصالحة بين الطرفين.
لهذه التهدئة مساران.
مسار خارجي ديبلوماسي يقوده عدد من السفراء، ومسار داخلي حتّمته الظروف والتطورات الداخلية.
وضع لبنان نفسه على طريق صندوق النقد الدولي، وما سيكون لذلك من تبعات قاسية على الوضع الداخلي اقتصادياً، وفيما يخص الإجراءات التي ستتخذ. شروط صندوق النقد، لن تكون منفصلة عن شروط سياسية بأبعادها المعروفة.
وهنا يكمن الاختلاف الجذري بين مساعدات الصندوق ومساعدات مؤتمر سيدر.
فمنذ فترة ينشط السفير الفرنسي على الساحة اللبنانية، يطالب المسؤولين بوقف الاشتباك السياسي لتحصيل ما يمكن تحصيله من مساعدات.
اليد الفرنسية كانت أقوى في مؤتمر سيدر.
أما مع اللجوء إلى الصندوق، فالشروط الأميركية هي التي ستطغى. وهنا سيكون الاعتبار للمسار السياسي الذي ستفرضه واشنطن.
ما سيضع لبنان أمام موقف صعب جداً، لن يكون مفصولاً عن تبعات ما يجري في سوريا والعراق، واللذين يعبران عن استمرار التصعيد الأميركي.
التهدئة السياسية، واللجوء إلى صندوق النقد الدولي، إشارات إيجابية أولية، لكن الصعاب لم تبدأ بعد، وهي ستكون متلازمة أميركياً، سياسياً واقتصادياً.