خبير إقتصادي : تجارب صندوق النقد فشلت .. وهذا مصير أموال المودعين !

9 مايو 2020
خبير إقتصادي : تجارب صندوق النقد فشلت .. وهذا مصير أموال المودعين !

يعاني لبنان منذ أواخر عام 2019 أزمة إقتصادية حادّة لم يشهد لها مثيل منذ 30 عاماً .

ويعيش اللبنانيون حالة من التخبّط والقلق حول مصير أموالهم المودعة في المصارف وخاصة بعد فرض هذه المصارف الCapital Control للحد من سحوبات المودعين .

وتفاقمت هذه الأزمة بعد حالة التخبّط التي تعيشها الليرة اللبنانية أمام إرتفاع سعر الدولار الذي أصبح بلا سقف وأرخى ظلاله السلبيّة على حياة المواطن اللبناني إذا قفزت أسعار السلع والمواد الغذائية بشكل جنوني وتقلّصت القدرة الشرائية للمواطنين في بلد يستورد أكثر من 80 % من حاجاته .

ومن هذا المنطلق ، أعلنت حكومة الرئيس حسّان دياب عن الخطة الإقتصادية المنتظرة التي تضمّنت بنود إقتصادية عدّة أملت فيها إقناع المجتمع الدولي بمساعدة لبنان على النهوض من إنهياره .

وعلى الرغم من أن مجلس الوزراء أقر الخطّة بالإجماع إلا أنه أُدخل تعديلات طفيفة أبرزها تأجيل البت بموضوع تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية وهي الأزمة الكبيرة التي تواجه هذه الحكومة خصوصاً أنه مع تحرير سعر الصرف أو تثبيته على ال3500 مثلما ذكر في الخطّة الإفتراضية يعمّق الأزمة الإجتماعية ويرفع الأسعار بشكل جنوني .

يطرح الشعب اللبناني عدد من الأسئلة حول مصير أموالهم ورواتبهم في ظلّ حالة من القلق والتخبّط والخوف من المستقبل ، ومن هنا نطرح كل هذه الأسئلة على الخبير والباحث الإقتصادي الأستاذ زياد نصر الدين .

1-   ما رأيك في الخطّة الإقتصادية التي طرحتها حكومة حسّان دياب ؟

لأول مرّة هناك خطّة في لبنان وبالتالي هذه الخطة اليوم تتحدّث عن نفس النماذج السابقة التي تعتمد على الأرقام ولم تختلف كثيراً عن نظام كان سائداً منذ عام 1992 لليوم حيث تعتبر الخطّة معبر للوصول إلى صندوق النقد الدولي .

هذه الخطة فيها شق نقدي وشق مالي ، الشيء الإيجابي هو إستعادة المال المنهوب وهذا يحتاج إلى قوانين وقرار سياسي . أما في ما تبقّى في الشق التقني للخطة هناك كثير من الأمور تحتاج إلى نقاش خاصّة أن موضوع تحرير سعر صرف الليرة بهذه الطريقة سيؤدي إلى مشكلة إجتماعية كبيرة .

علينا الإنتباه في كيفية التعاون مع موضوع سعر الصرف ، كما أن الإعتماد على صندوق النقد سيكون مرتبط بطريقة التفاوض وهذا مؤثر ، إذا كان لمصلحة لبنان ودون أي إملاءات سياسية وإقتصادية تؤذي الواقع الإجتماعي سيكون تطوّر ممتاز . نحن نعلم أن صندوق النقد لديه شروط إقتصادية وسياسية وبالتالي مؤسساته فشلت في معظم بلاد العالم حيث كان لديه بعض التجارب لكن هذه التجارب كان فيها ثمن سياسي ولنكون واضحين وصريحين الشروط السياسية لصندوق النقد لا يستطيع أن يتحمّلها اللبنانيون .

2-   هل من سبل للحل من دون اللجوء لصندوق النقد الدولي ؟

إذا كان لبنان فعليّا يمتلك 21 مليار دولار في المصرف المركزي الحل في أيدينا ، على الدولة أن تعمل على رؤية معيّنة تعطي فيها ضمانة للمودعون لأن هذا يعطي الثقة من الخارج إلى الداخل .

المطلوب تصحيح أداء المصارف لأن الخزّان الأساسي للمصارف هي أموال المغتربين الذين يأتون ولذلك علينا إعادة الثقة إليهم كي يضخوا الأموال ما يتطلّب حماية من الدولة .

الدولة تطالب صندوق النقد الدولي إعطاء لبنان 9 مليار دولار على 5 سنوات هذا في حال أ”عطانا” ، في الوقت أن المغتربين كانوا يحوّلون 8 مليار دولار في كل سنة ، وهذا تدنّى بسبب قرار سياسي .

إضافة إلى ذلك ،  إستعادة الأموال التي خرجت من لبنان وهو رقم كبير وكان له السبب في هذه الأزمة ، إستعادة إيرادات الدولة من الأملاك البحريّة ، التوجّه لإقامة إتفاقيات بين دولة ودولة في موضوع النفط خصوصاً بعد فضيحة النفط المضروب مؤخّراً وهذا يوفّر 3 مليارات دولار على مدى سنتين .

هناك حلول أيضاً منها التوجّه إلى الشرق وعقد إتفاقيات خصوصاً مع الصين التي كانت مستعدّة أن تنفّذ إستثمارات في لبنان ومُنعت لأسباب سياسية . 

وكذلك قطر التي مُنعت أن تضع وديعة في لبنان ومن هذا المنطلق أرى أن الشروط في اللجوء فقط إلى صندوق النقد الدولي هدفه تجويع الشعب اللبناني .

3-   هل سيتحمل المجتمع اللبناني شروط صندوق النقد الدولي التي تعتبر قاسية ؟

كل الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي في معظم البلاد التي إعتمدت على ” وصفاته ” خسرت ، أمّا التي سارت في عكس هذه ” الوصفات ” نجحت .

نحن لسنا مؤهلين كبنى تحتية ولذلك نحن بحاجة لوضع رؤية إقتصادية بتوجّهات إقتصاد إنتاجي الذي يستطيع وحده إنقاذنا . يجب أن يكون هناك تحفيزات على تشجيع إستثمارات الإقتصاد الإنتاجي وهذه نقطة مهمّة وجوهرية في تحوّل إقتصادنا .

إضافة إلى ذلك ، علينا وضع تحفيزات صناعية وإنتاج المواد الغذائية في الداخل اللبناني وعلى الدولة أن تدعم المواد التي نحتاجنا وتدعمها على سعر الصرف الرسمي وهذا يخلق مناخ إنتاجي ويخفف ضغط على الواقع الإجتماعي خصوصاً بعد تراجع قيمة الرواتب .

4-   هل من الأفضل تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية ؟ أم تثبيتها مجدّداً وعلى أي مستوى ؟

أبداً ، لا يتحمّل السوق اللبناني ولا الرواتب تحرير سعر صرف الليرة ، نحن بلد إستهلاكي وليس إنتاجي ، عندما نصبح بلد إنتاجي مثل تركيا لن نتضرّر أما في إقتصاد ” مدولر ” فهذا غير منطقي .

إذا كان مشروع تحرير سعر صرف الليرة جدّي علينا تحضير بنى تحتيّة وهذا يحتاج إلى 5 سنوات في معدّلات تتناسب مع التضخّم ومدخول الناس ، ليس على سبيل المثال أن نحرر سعرف الصرف إلى 3500 ونُبقي على الأجور ذاتها .

5-   أنت مع تثبيت سعر الصرف مجدداً وعلى أي مستوى ؟

هذا يرتبط في خطّة وقدرة إنتاجية ، الإقتصاد لا يتعالج بالأرقام يتعالج في البرامج ، الخطط ، التفكير ، التوعية ، قيمة الأموال وحماية الأمن الغذائي والإجتماعي وأن تكون كلها متكاملة مع بعضها .     

أما أن يصبح سعر الصرف فجأة 3500 ، هذا مرفوض !

6-   لماذا لا تضغط الحكومة اللبنانية لاستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة خارج لبنان ؟

لأن هذا القرار هو سياسي ، معظم الأموال التي هرّبت خارج لبنان هي للسياسيين وبالتالي إستعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة يحتاج إلى قرار سياسي جريء .

7-   ما هي الأسباب التي أدّت إلى الإنهيار الإقتصادي الكبير في لبنان ؟ ومن يتحمّل المسؤولية ؟

هناك عدّة عوامل تتحمل مسؤولية هذا الإنهيار ، النظام الذي بدأ عام 1992 وحتى الأن ، تراكمات السياسة النقديّة المتّبعة وسياسات الحكومات الفاشلة ، نسبة الفوائد المرتفعة ، عدم وجود رؤية وبنية إقتصادية حقيقة ، إضافة إلى ذلك إقتصاد كان قائم على الديون والإستدانة والضرائب وهذا سبب رئيسي أوصلنا إلى هذه المرحلة .

8-   هل صحيح أن أموال المودعين تبخّرت ؟ وما مصير أموالهم ؟ ما هي الطرق لمعالجة هذا الإنهيار ؟

الواضح من الأرقام أنه إذا كان معظم الأموال ” مدولرة ” وبالتالي مسجّلة كقيمة دفترية في المصارف ولا إمكانية للتداول بها ، وإذا كان هناك إحتياطات في المصرف المركزي بقيمة 21 مليار والمصارف أودعت في المصرف المركزي 70 مليار دولار هذا يعني أن هناك حوالي 50 مليار دولار فقدت وهذا الجزء تم تغطيته لدولة عاجزة صرفت الأموال على عجز الكهرباء ، الرواتب والأجور وفوائد الدين العام .

أما بالنسبة لمصير أموالهم فهو ليس واضح لأنه في هذا الوقت لا إمكانية لإسترجاع أموال المودعين وهذا يعتمد على خطط الحكومة خلال السنوات المقبلة .

9-   برأيك ، ما هو الوقت الذي يحتاجه لبنان لتخطّي هذه الأزمة ؟

 
يحتاج لبنان في الحد الأدنى إلى 4 أو 5 سنوات وذلك بناءً على الخطوات التي سيتمّ إتخاذها على الصعيد الإقتصادي .