أما وقد حلّت الـ”كورونا”، التي فرضت على الجميع نمطًا معينًا في التعاطي مع الأمور العامة والشأن العام، فإن من بين نتائجها أن الذين كانوا يسعون إلى وضع قضايا لبنان الداخلية في ثلاجة الإنتظار قد وجدوا في هذا الوباء “شحمة على فطيرة” لتبرير عدم إقدامهم على أي مبادرة إنقاذية، ولو على المستوى المعيشي للمواطنين، إذ لا يُعقل أن يُربط سعر ربطة الخبز بالحلّ الإقليمي وبمدى تقدّم المفاوضات أو تأخرّها بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، من جهة، وبين ما يجري على الساحة السورية من شدّ حبال، مع إقتراب موعد دخول “قانون قيصر” موضع التنفيذ في أوائل حزيران المقبل، وما يمكن أن يكون له من تأثيرات غير مباشرة على لبنان من خلال الضغط أكثر فأكثر على “حزب الله”.
وفيما المواطن العادي المحجور “كورونيًا” يكتوي بنار الدولار المتفلت من عقاله، وبأسعار السلع الإستهلاكية النارية، من دون أن يرى من يسانده نرى أن المراوحة، حتى في المحادثات مع صندوق النقد الدولي، هي سيدة الموقف، إذ أن لا أحد، على ما يبدو، قادر على إتخاذ أي قرار، أن كان منفردًا أو جماعيًا، مع ملاحظة اللجوء إلى بعض الطروحات القديمة، التي إعتقد اللبنانيون أنها طويت إلى غير رجعة، وذلك في محاولة إلهائية جديدة، يُستدّل منها عمق الأزمة الواقعين فيها جميعًا، والتي تشكّل للبعض حالة مأزومة، تمهيدًا لفرض التوقيت الخارجي على مواعيد داخلية.
وفي رأي بعض الأوساط السياسية المراقبة أن جائحة “كورونا” أعطت فرصة للمتريثين والمترددين، وقد شكلت لهم سترة نجاة، بدليل أن كل المواقف المعلن منها والمستتر لا تتخطى حدود ما هو مرسوم لها، وهي تدخل في خانة المراوحة والإنتظار، بإعتبار أن أي موقف داخلي لن يقدّم ولن يؤخرّ ما دامت الأمور الخارجية مجمدّة عند نقطة معينة.
ولا تستبعد هذه الأوساط أن يبقى الوضع على ما هو عليه، بحجة “كورونا” أولاً، وثانيًا بحجة أن لبنان ينتظر بعض الإيجابيات من صندوق النقد الدولي، الذي أفهم الجميع أنه ليس جمعية خيرية، وأن واحد زائد واحد يساويان اثنين، بمعنى أن التعاطي مع أزمة لبنان لا يتمّ إلاّ من خلال الأرقام، التي لا يمكن أن تخطىء.
وعلى رغم أن جميع القوى تسير في المماطلة كاسنان المشط فإن ثمة افرقاء يعرفون كيف يلعبون هذه اللعبة بإحتراف وإتقان، إذ يستطيعون أن يصوروا للرأي العام على أنهم يعملون من أجل التغيير فيما هم اشد الناس تمسكّا بسياسة المراوحة والإنتظار.