في نيسان الماضي، قام القائد الجديد لفيلق القدس إسماعيل قاآني بزيارته الأولى إلى بغداد، وتوقعت الميليشيات العراقية الموالية لإيران توزيع الأموال كما هو معتاد في مثل هذه الزيارات، لكن قاآني خيب أملهم وأحضر لهم “خواتم فضية”.
في زيارته الثانية للعراق، كان على قاآني التقدم بطلب للحصول على تأشيرة، وهو أمر لم يسمع به في زمن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، في خطوة جريئة من قبل حكومة بغداد الجديدة، التي تسعى فعلياً إلى تقييد حرية إيران في التنقل داخل العراق.
وتوضح الروايات التي نقلها عدة مسؤولين عراقيين لوكالة “أسوشيتد برس”، صراعات إيران للحفاظ على سيطرتها على الميليشيات العراقية بعد ستة أشهر من اغتيال سليماني وأبو مهدي المهندس في هجوم بطائرة أميركية من دون طيار.
في الوقت ذاته تسعى إيران جاهدة لمواجهة التداعيات الاقتصادية للعقوبات الأميركية وتفشي كورونا.
ومع غياب شخصيات مؤثرة مثل سليماني والمهندس لتوحيد الفصائل المتباينة، ظهرت انقسامات في صفوف قوات الحشد الشعبي، المظلة الشاملة للقوات الشيعية، كما تسبب مقتلهما في تعطيل مسار إضفاء الطابع المؤسسي على الميليشيات، التي كان المهندس يخطط لها بدقة بمباركة سليماني.
وقال فنار حداد، باحث في العراق، “مع رحيل المهندس، لا يوجد ركيزة تدور حولها سياسات الحشد الشعبي”.
تمتع سليماني، المهيمن على الميليشيات التابعة لإيران في جميع أنحاء المنطقة، على مكانة شبه أسطورية بين الفصائل الشيعية والميليشيات العراقية، بفضل شخصيته الكاريزمية وإجادته اللغة العربية، التي جعلت علاقة سليماني بالمسؤولين العراقيين أكثر من ممتازة.
عقب وفاته، دبت الخلافات بين الفصائل الشيعية، حيث تنازعت حول شخصية رئيس الوزراء مرتين قبل أن تستقر على مصطفى الكاظمي.
كما يعد قاآني أقل دراية بقادة الميليشيات العراقية ويتحدث إليهم من خلال مترجم.
وبحسب ثلاثة مسؤولين، أخبر قاآني قادة الميليشيات خلال اجتماع نيسان، أنهم سيضطرون في الوقت الحالي إلى الاعتماد على تمويل الدولة العراقية، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية الإيرانية.
وبحسب ميزانية العراق 2019، حصلت ميليشيات الحشد الشعبي على 2 مليار دولار من الحكومة، لكنها لا توزع بالتساوي على الفصائل.
وصرح مسؤولان عراقيان مقربان من الميليشيات أن الجماعات الأصغر حجماً المدعومة من إيران تعتمد على وسائل أخرى غير رسمية للدخل وتتلقى دعما من إيران، يقدر بنحو 3 – 9 ملايين دولار.
شُكل الحشد الشعبي عام 2014 بعد فتوى أصدرها رجل الدين العراقي آية الله علي السيستاني، وجذب الآلاف الذين تطوعوا لمحاربة تنظيم داعش، وتزايدت شوكتها السياسية والعسكرية منذ ذلك الحين.
وتحت حكم المهندس المؤيد لإيران بشدة، أصبح الحشد قناة لتأثير طهران، وفتح مقتله الباب أمام فصائل معارضة لهذا النفوذ – خاصة تلك المرتبطة بالسيستاني – للانفصال عن قيادة الحشد الشعبي.
واجه الرجل الذي يُنظر إليه على أنه خليفة المهندس المحتمل، عبد العزيز المحمداوي، الملقب بـ “أبو فدك”، معارضة من الفصائل التي اعتبرته الخيار المدعوم من إيران.
وبحسب المسؤولين، لم يعترف رئيس الوزراء به رسمياً على الرغم من توليه بعض المهام الإدارية، كما أظهرت بعض أكثر الميليشيات الصديقة لإيران في ظل الحشد الشعبي علامات الانشقاق.
من جانبها، أعلنت أربع ميليشيات مرتبطة بالسيستاني مؤخراً أنها ستتلقى أوامر مباشرة من رئيس الوزراء العراقي، متجاوزة قيادة الحشد الشعبي.
وذكر مسؤول بارز في كتائب حزب الله أن الخطوة أضعفت قوات الحشد الشعبي وشرعيتها بين الجمهور، لكن بالنسبة للعديد من العراقيين، فإن مصداقية الحشد مستمدة من فتوى السيستاني.
كان الشقاق واضحاً عندما زار رئيس الوزراء الكاظمي مقر قيادة الحشد، بعد أسابيع من توليه منصبه، إلى يمينه، جلست شخصيات مقربة من طهران، وجلس إلى يساره المنتسبون للسيستاني.
مديرة برنامج حل النزاعات بمعهد الشرق الأوسط رندا سليم، قالت بدورها إن هذا يمثل “ألما رئيسيًا” للمؤسسة الشيعية بقيادة السيستاني في الخطط الإيرانية الأوسع.
يلوح في الأفق سؤال عن مستقبل الحشد الشعبي، فقد كان المهندس يوجه خططاً لتحويل الميليشيات المستقلة إلى قوة أكثر احترافاً، وصرح ثلاثة من قادة الميليشيات – خلال زيارة قاموا بها مؤخراً إلى الموصل – إن هذه الخطط لم تكتمل بعد.
في عهد المهندس، بدأت قوات الحشد الشعبي في الإشارة إلى وحداتها باللواء بدلاً من الفصائل، واتخذت خطوات نحو منح رتب عسكرية، وتعيين محاكم تأديبية، وأشرفت الميليشيات على إنشاء وحدات هندسية تقدم خدمات مثل أعمال الطرق، وكان لذلك تأثير هائل على الميليشيات وأنصارها.
وعندما هاجم متظاهرون السفارة الأميركية في بغداد في 31 كانون الاول الماضي رداً على الضربات الأميركية على أهداف لكتائب حزب الله، تم استدعاء المهندس وليس قوات الأمن العراقية لسحب المحتجين، وفقاً لمسؤولين عراقيين.
وقال محمد موسوي، القيادي في الحشد الشعبي، “الحاج أبو مهدي جعلنا منظمة رسمية، هذا أهم شيء فعله. لقد خطط لسنوات قادمة لتدريب أكبر للمقاتلين، وإنشاء أكاديميات لتحسين الإدارة”.