ولم يفاجئ تأنيب كوبيتش الوسطَ السياسي والديبلوماسي في بيروت هو الذي أصبحتْ إطلالاته الحادة على المشهد اللبناني بمثابة «البوصلة» لكيفية مقاربة الخارج المأزق الكبير الذي حشرتْ بيروت نفسَها فيه، عبر سلوكٍ تصرّ معه على السير في اتجاه طريقٍ مسدود لعجْزها عن اعتماد «طريق النجاة» الوحيد، التقني – السياسي، في ضوء استرهان قرارها الاستراتيجي لـ«حزب الله» ومشروعه الإقليمي.
ورغم ذلك، فإنّ هذه الإحاطة التي قام بها كوبيتش، وبلا تدوير زوايا، للوضع في «بلاد الأرز» اكتسبتْ دلالات خاصة كونها بدت محمّلة برسائل «مشفّرة» حملتْ رداً ضمنياً على المناخ الذي أعقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف – لودريان (لبيروت) الذي كرّس رفْع المجتمع الدولي «جداراً سميكاً» أمام أي دعْم مالي للبنان إلا بعد تطبيق الإصلاحات البنيوية والهيكلية الفعلية، وهو المناخ الذي أشاعه خصوصاً الهجوم غير المحسوب النتائج الذي قام به رئيس الحكومة حسان دياب ضدّ رئيس الديبلوماسية الفرنسية إذ اتهمه بأن «لديه نقصاً بالمعلومات لناحية مسيرة الإصلاحات الحكومية» وصولاً إلى اعتبار «ربْطه أي مساعدة للبنان بتحقيق إصلاحات وضرورة المرور عبر صندوق النقد يؤكد أن القرار الدولي هو عدم مساعدة لبنان حتى الآن».
وجاء كلام منسق الأمين العام للأمم المتحدة، ليؤكد في رأي أوساط واسعة الاطلاع مسألتيْن: الأولى أن ما قاله لودريان في بيروت يعبّر عن موقف المجتمع الدولي ككل. والثانية صحة ما نُقل قبل أيام عن أن وزير الخارجية الفرنسي أبلغ مَن التقاهم أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا «على خطى رجل واحد في كل ما يختص بلبنان».
واعتبرت الأوساط أن كوبيتش بحديثه عن «المؤامرة الحقيقية» غَمَز بوضوح من قناة محاولاتِ السلطة تصوير ما يعانيه لبنان على أنه من «فِعل الآخَرين»، وذلك من باب الهروب إلى الأمام المتمادي من عدم الرغبة ولا القدرة على السير بإصلاحات تُعتبر أيضاً المفتاح لبلوغ تفاهُم على برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي ما يزال رهينةَ خلافاتِ أهل البيت اللبناني وعدم توافقهم حتى الآن على رقم موحّد للخسائر المالية، وهو ما أدى إلى خسارة وقت ذهبي ودخول المفاوضات في جمودٍ سيتعزّز في شهر العطلة السنوية (أغسطس) على وقع تفاقُم مَظاهر السقوط المالي وتداعياته الاقتصادية والمعيشية على مختلف وجوه حياة اللبنانيين الذين صاروا أسْرى العتمة ونقص البنزين والمازوت ووقوف المستشفيات الخاصة على مشارف الانهيار ودخول البلاد مدار التضخم المفرط.
وبدّد وهج كلام كوبيتش محاولةَ دياب أمس، «لحْس» موقفه الهجومي ضدّ فرنسا والذي قوبل بانتقادات داخلية من المعارضة في لبنان كما بـ«صدمة» في الأوساط الديبلوماسية العربية والغربية، وذلك من خلال تنويهه خلال استقباله أمس وفداً من السفارة الفرنسية ترأستْه القائمة بالأعمال سالينا غرونيت «بالعلاقات اللبنانية الفرنسية العميقة والمتجذرة في التاريخ وفي القيم المشتركة»، معربا عن «تطلع لبنان إلى تعزيز علاقات التعاون بين البلدين على الصعيد الثنائي وعلى الصعيد الدولي»، ومؤكداً أن «زيارة الوزير لودريان تأتي في سياق تلك العلاقة التاريخية التي تجمع بين البلديْن».
المجتمع الدولي يكشف المؤامرة الحقيقية على لبنان
يعتقد غالبية الناس في لبنان وخارجه أن المؤامرة الحقيقية التي تواجه البلد هي عدم رغبة الطبقة السياسية والمالية في تطبيق مجموعة من الإصلاحات الملحّة والشاملة رغم أن هذا هو السبيل الوحيد الكفيل بإطلاق مساعدات تدريجياً من الخارج، ترى ما المطلوب لتغيير هذه الذهنية فوق كل هذا الانهيار والبؤس؟»… هكذا و«بالمختصر المفيد» ضَرَبَ المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش من جديد عبر موقفٍ حازمٍ لا يحتمل التأويل، كرّر فيه «توبيخ» السلطة و«تثبيت» مكمن الداء الحقيقي، كما يراه المجتمع الدولي، في «الأزمة الشاملة» التي باتت تتحكّم ببلادٍ تتقاذفها عواصف السياسة والمال والاقتصاد و«كورونا» وواقعٌ معيشي صار أشبه بـ«برميل بارود».