وجه شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، رسالة عيد الأضحى المبارك قال فيها: “ابتلي نبي الله إبراهيم ابتلاء شاقا حين وافته الرؤية كما في الآية الكريمة: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك، فسلم أمره لله، كذلك ابنه، فمضيا كلاهما طائعين، فلما أسلما وتله للجبين، نودي. قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين، وفديناه بذبح عظيم (الصافات 105-107). ثم أن الله تعالى بين له عليه السلام مكان البيت، وأمره ببنائه على قواعد التقوى والتوحيد إلى أن قال له عز وجل: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (الحج 27)“.
أضاف: “الأضحى المبارك في وجدان الأمة، من قبل فرقها ومذاهبها، هو استشعار هذا الفداء الذي هو هبة الله تعالى للطائع المؤمن المسلم. وهذا، بإخلاصه وتقواه، يمضي قاصدا وجه الرحيم الكريم، محرما ملبيا طائفا ساعيا واقفا مصليا، متقربا إلى رضاه، متبرئا من الرجيم، مقربا الهدي وعين القصد منه كما قال تعالى. ولكن يناله التقوى منكم (الحج 37). واليوم، كما في كل زمان، ماض أو آت، يتوجه المؤمنون (ولو بقلوبهم في هذه الظروف) بنواياهم وأفئدتهم ولسان حالهم التلبية، طاعة ورضى وتصديقا وتسليما لمرآة نوره وهدايته ودعوته الحق لما شاءه رب كريم لهم من كرامة حين نبه أرواحهم إلى معنى الامتثال بالطاعة ارتقاء بإنسانيتهم إلى غاية الوجود. ولا يكون هذا بالمستطاع ما لم تستنير بصيرة المرء وإرادته بكلمة الله ومقاصد حكمته. كلمة تحمل دعوة سامية إلى تجريد القلب من الهوى ومذموم الخواطر. كلمة معقولة بكل مجامعها بخالص أنوار المعرفة والحكمة ولطائف المعاني التوحيدية التي بها حياة القلوب والنفوس، وبمواجب الالتزام بحميد الأفعال والأقوال. ثمرتها الفضائل التي بها يتحقق الإنسان في ذاته بما اقتضته أسرار حكمة الله في خلقه“.
وسأل: “هل ما هو أولى من ثوب المرء إلى وجه الحق وإلى نبع الحياة؟ وحين يسترسل الإنسان في الغفلات انذهالا بفرص الدنيا، يتوه في مطالبه عن النور، ولات حين مناص. يأتي عيد الأضحى المبارك، فيما التضحية لأجل قيامة الوطن باتت شبه معدومة أمام تحديات تحتاج الى مواقف جريئة وحاسمة، نرفع الصوت لنذكر في أيام الأضحى المباركة (والأضحى بالمناسبة محكي عنه في التوراة والإنجيل والقرآن الكريم) بالمثل والقيم الإنسانية التي طالما كانت عبر التاريخ في أصل المداميك الأولى لكل حضارة إنسانية. العدل أساس الحكم، والناس خلقوا أحرارا، والدعوة نادت قبائل الأرض للتعارف على قاعدة التقوى. وهذا يعني الحوار، ونشدان السلام وبالتالي يكون مقام الحوار في أعلى رتب الحكم والمسؤولية“.
وتابع: “إن ألفباء أمانة الكيان اللبناني هي في التلاقي والتسوية، لا بمعنى غلبة هذا على ذاك ولكن بمعنى التدبير الحكيم الذي يحفظ للبنان أهله (وهم بالمناسبة مصنفون وفق القانون: طوائف تاريخية معترف بها)، وهم دستوريا مواطنون تظللهم جمهورية ديموقراطية مبنية على ميثاق العيش المشترك. ولا ننسى أن ما يناهز العقدين من السنوات العجاف انقضت في زماننا المعاصر بحمد الله بتسوية مشهودة في الطائف ضمنها الدستور لتكون الحد الفاصل بين دولة يحتكم الجميع إليها من جهة، وبين العودة إلى أتون الصراع والانقسامات من جهة أخرى. ونحن في لبنان، يتلظى الشعب بوابل غير منقطع من الأزمات في كل القطاعات بلا استثناء، بسبب تدني مستويات الأداء السياسي الذي عجز عن اتخاذ قرارات أساسية ممكنة في درب الإصلاح ومعالجة ثقوب الفساد السوداء، والاستماع الى مطالب الشباب والشابات“.
وقال: “الملفات والأزمات المتراكمة على كاهل اللبنانيين باتت في مرحلة خطيرة، تستدعي مواجهتها التعاضد الداخلي، والبدء بالإصلاح الحقيقي الناجع في كل قطاعات الدولة، وأولها الكهرباء التي باتت أكبر خسارة مالية في الخزينة العامة، كما تستوجب قراءة علمية لواقع الحال واجتراح الأفكار المناسبة للحد من الغلاء والمحافظة على مدخرات الناس ومعالجة تدهور سعر صرف الليرة وضبط الاقتصاد وكبح جماح الاحتكار. وفي ظل ما يحصل حولنا من صراعات مفتوحة بين جبهات إقليمية ودولية متناحرة تأخذ في طريقها شعوب المنطقة وحقوقهم وعيشهم، فإن الأولى بنا التفكير مليا والتطبيق العملي لإبعاد وطننا عن النزاعات المدمرة، وتنفيذ بنود مقررات الحوار الوطني الذي عقد في العام 2006، والامتثال للنتائج الإيجابية التي سادت بعد مؤتمر باندونغ“.
أضاف: “نحن اليوم، في زمننا المعاصر، نرى العالم يتعثر تحت وطأة الصراعات، ناهيك عن حال الوباء التي كشفت، على الأقل، أن جل الطاقات الأساسية للبشر، تستهلك في متاهات ذلك الصراع في سباقات مكلفة إلى حد بالغ الإفراط لامتلاك النفوذ والسلاح وأدوات السيطرة ووسائل الإعلام والتواصل والتكنولوجيات الهادفة إلى التفوق والهيمنة بغياب مفهوم العدالة الدولية، وفي حين أن المناعة الصحية تتهاوى أمام استفحال التلوث وافتقار الأنظمة الصحية إلى الدعم الوافي“.
وتابع: “نحن الموحدون الدروز، ستبقى ثوابتنا الوطنية راسخة إيمانا منا بلبنان الوطن المبني على أساس وحدته الوطنية وعيشه المشترك، ودولته الجامعة وجيشه الصامد، وإننا إذ ندين الإعتداءات الاسرائيلية المتكررة على سيادة لبنان وأرضه وبحره وأجوائه، سنبقى بجانب القضايا الإنسانية المحقة العادلة وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني الذي يكافح بوجه الاحتلال وعدوانيته“.
وختم حسن: “نسأل الله تعالى أن يجلي البصائر ويوقظ الضمائر، وأن يرفع بلطف قدرته الغمة عن شعوب أمتنا. والله رؤوف بالعباد”.