صورة الرئيس الفرنسي إيمايويل ماكرون، وهو يجول في منطقة الجميزة، متفقداً الدمار الذي خلفه انفجار المرفأ، واستطراداً فساد الطبقة السياسية كلها.. وتجمع المواطنين حوله، أبلغ تعبير عن الحنق والغضب اللذين باتا يملآن صدور اللبنانيين على طبقتهم السياسية، التي باتت لا تلقى منهم سوى النبذ والشتائم والسباب.
رؤساء للمجاملة
رئيس دولة عظمى أبى إلا أن يستمع إلى أصوات اللبنانيين مباشرة، قبل أن يلتقي بالرؤساء الثلاثة كنوع من “مجاملة” لهم، كما قال. ولا يمكن أن تعني هذه الكلمة إلا استخفاف تلك الدولة العظمى بالطبقة السياسية والحكومة والرئاسات اللبنانية كلها، وتعلن رسالة إلى اللبنانيين: فرنسا إلى جانبكم وليست إلى جانب حكامكم الممقوتين.
ولعل تجمع المواطنين حول الزائر الفرنسي، والطلب منه الخلاص من حكامهم، يعبران عن الطلاق بين اللبنانيين وسلطتهم المتهمة بقتلهم بقنبلة تعادل قنبلة نووية، على ما كتب كثر على صفحاتهم.
ترحيب بالضيف الفرنسي ودعوات إلى تعليق المشانق للمسؤولين اللبنانيين ومحاسبة كل من توالى على قتلهم. هذا هو الانطباع الأولي عن الزيارة التي ترافقت مع نداءات عبر التواصل الاجتماعي، تطالب بالتغيير والمحاسبة والطلب من “أمهم الحنون” عدم تقديم أي مساعدة للدولة، بل للشعب، خشية سرقتها، في ظل ثقافة الفساد المستشرية في البلاد.
لا للحكومة والسلطة
حتى اللبنانيين في الاغتراب دعوا أوطانهم الثانية إلى عدم تقديم المساعدات للحكومة والدولة، كما حصل في كندا وفرنسا وغيرها من الدول. فضلوا تقديم المساعدة للصليب الأحمر اللبناني أو لأي جهة مدنية على تقديمها لحكومتهم. فهل يقرأ المسؤولون اللبنانيون ما يكتب عنهم على صفحات “المحكومين”؟
استقبال حار لضيف أتى من خلف البحار، ورأى فيه من تجمع حوله خلاصاً لهم من السلطة التي تحكمهم. حتى أن الزيارة ترافقت مع توقيع أكثر من 36 ألف شخص، حتى الآن، على عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي على لبنان. يفضلون الانتداب على الاستقلال، لاعتقادهم بأن المنتدب سيكون أكثر رحمة ورأفة بهم.
تلك العريضة الملتبسة في توقيتها، والتي وزعت عبر منظمة آفاز، وحصلت على هذا الكم الكبير من التواقيع، دليل مأساة تضاف إلى مأساة اللبنانيين المديدة. لكنها إذا عبرت عن شيء فهي تعبر عن الطلاق الحاصل بين اللبنانيين وحكامهم.
مشهد سوريالي حقاً أن يجول الرئيس الفرنسي في الشوارع متفقداً الأضرار، ومستمعاً إلى المواطنين، ويلقى هذا الترحاب اللبناني، فيما لا يجرؤ حتى مسؤول لبناني واحد على النزول إلى الشارع بلا مرافقة ومواكب أمنية مؤللة.
وكي لا نعود بالذاكرة إلى مطاردة الناشطين النوابَ والوزراء في المطاعم لطردهم منها سابقاً، يكفي التذكير بما حصل البارحة خلال جولة الرئيس السابق لمجلس الوزراء سعد الحريري وصولاً إلى جامع الأمين، وكيف انهال عليه المواطنون هناك بالشتائم والسباب، وحطموا أحد نوافذ سيارات موكبه، فراحت فرق الحماية تعتدي عليهم بالضرب والسحل.
لم يصافح ماكرون الرؤساء في لقاء بعبدا. التزم بإجراءات السلامة العامة لكورونا في لقائه المسؤولين. لكنه تعمد مصافحة جميع الذين تجمعوا حوله في منطقة الجميزة، وأخذ بعضهم بالأحضان. وهذه شماتة إضافية أتت بها “أمنا الحنون” بالطبقة السياسية المنبوذة.