إذ طالب “تيار المستقبل” بمشاركة دولية، وخبراء دوليين ولجان متخصصة لتحديد المسؤوليات، فيما أكد رؤساء الحكومة السابقون على ضرورة مطالبة الأمم المتحدة والجامعة العربية بتشكيل لجنة تحقيق في الحادثة، تضم قضاة ومحققين يتمتعون بالنزاهة والحرفية والحيادية للكشف عن ملابسات “الكارثة”، على حد قولهم.
أما جنبلاط فقال: “هناك تقصير فادح من القضاء ومن الأجهزة الأمنية واليوم كل الرسائل والرسائل المضادة التي نقرأها في الصحف، كأنها تذكرني عندما حدثت جريمة اغتيال رفيق الحريري وعندما حاولوا في اللحظات الأولى طمس معالم الجريمة، اليوم بالعكس يحاولون أن يتبرأوا وأن يقولوا نحن نبهنا، لكننا لا نثق بهم ولذلك نطالب بلجنة تحقيق دولية لأن لا ثقة بالمطلق بهذه العصابة الحاكمة”.
بدوره اعتبر جعجع أنه “انطلاقاً من انعدام ثقتنا بالسلطة الحاكمة التي تتدخل بالقضاء، نطالب بلجنة تحقيق دولية ترسلها الأمم المتحدة بأسرع وقت ممكن وإنشاء صندوق دولي لإغاثة المنطقة المنكوبة باشراف الأمم المتحدة”.
تأتي تلك المواقف التصعيدية بوجه حكومة حسان دياب التي لم يتردد جنبلاط في وصفها بـ”حكومة الذئاب”، عشية عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة يوم الإثنين المقبل بطلب من المجموعة العربية لبحث تداعيات الانفجار.
ولكن غير ذلك، لا تبدو مواقف “الثلاثي الآذاري” منسّقة أو متفاهماً عليها. وحده رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” قرر الذهاب بعيداً في طروحاته ليتجاوز الفاجعة التي أصابت اللبنانيين جراء انفجار المرفأ، نحو عمق الأزمة: إنّه النظام بحدّ ذاته. يحرص الاشتراكيون على التوضيح أولاً إنّ المطالبة بلجنة تحقيق دولية غير مرتبطة بأي اعتبارات سياسية لها علاقة بما قد يحدث يوم الاثنين في مجلس الأمن، أو بالدوافع التي أملت على القوى الأخرى العزف على الوتر الدولي. يقولون إنّ الحكومة فقدت ثقتها بالشارع، وما قامت به خلال الساعات القليلة الماضية يزيد من اتساع هوة انعدام الثقة.
يضيفون: “يكفي أنّها حددت خمسة أيام كمهلة زمنية لأنهاء التحقيقات في حادثة قد تدخل التاريخ بحجمها وتداعياتها، ويكفي أن يحصر وزير الداخلية محمد فهمي لائحة “المطلوبين” بثلاثة أسماء على لجنة التحقيق تسميتهم لمحاسبتهم، لكي ندرك أنّه مسار مشكوك بنزاهته وخواتيمه… من دون أن يعني ذلك أنّ الحزب “التقدمي” يضع فرضيات التورط السياسي، فوق أي اعتبار. لا بل هي الشفافية المنشودة، التي تدفع به إلى تجاوز الحدود اللبنانية بحثاً عن لجنة تحقيق جنائية تتكل إلى تقارير خبراء دوليين، قادرين على تسمية الأمور كما هي بلا أي مواربة أو خشية أو حسابات ضيقة، لأن من حق الناس أن تعرف ماذا جرى مساء ذلك اليوم المشؤوم ولماذا وقع هذا الكم الهائل من الضحايا والمفقودين والمصابين”.
لكن جنبلاط في مؤتمره الصحافي، تخطى مسألة الانفجار وكيفية كشف ملابساته، ليطرح أكثر من عنوان جدلي:
– أولاً قال إنه “لا بد من حكومة حيادية، فهذه حكومة معادية في كل الميادين”.
– ثانياً، دعا الى “انتخابات جديدة على اساس قانون لاطائفي ودائرة فردية”.
يشير الاشتراكيون إلى أنّ جنبلاط قرر طرق باب تغيير النظام من خلال القانون اللاطائفي وهو يعرف جيداً أنه عنوان كبير قد يثير الجدل في هذه الظروف، وقد لا يجد الكثير من “السمّيعة” وتحديداً لدى بعض الحلفاء والأصدقاء. ولكن وفق الاشتراكيين لقد بلغت الأمور أفقاً مقفلاً ولا يمكن اختراقه الا من خلال طروحات تتجاوز الاشكالات السياسية الموضعية. ومن هنا لا بدّ من وضع الأسلوب السياسي على طاولة المعالجة. للمفارقة، فإنّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحدث أيضاً عن نظام جديد “ليس دستوراً جديداً”، وفق توضيحه في مؤتمره!
وتحت عنوان الأفق المسدود طالب جنبلاط بتأليف حكومة جديدة. اختار لها عنوان الحيادية، وهو يقصد بها حكومة وحدة وطنية “لا تطبش كفة محور على محور” بعدما أثبتت التطورات أن الحكومة الحالية عاجزة عن الاستمرار بعملها أو وقف التدهور الحاصل، كما يؤكد الاشتراكيون.
يشير هؤلاء إلى أنّ اتصالات الحزب “التقدمي” لم تنقطع مع معظم القوى السياسية، لكنها لم ترتق الى مستوى التنسيق أو التفاهم المسبق على الأفكار التي طرحها خلال المؤتمر الصحافي. ولهذا فإن الكلام عن اعادة احياء تجمع 14 آذار ليس في محله. وما قدمه جنبلاط لا يمثل خريطة طريق هذه القوى، “لا بل هو عبارة عن أفكار اولية تستحق النقاش بصوت مرتفع، علها تفتح الباب أمام معالجات صار لا بدّ أن تكون جذرية للخروج من النفق المظلم”.