كتب منير الربيع في “المدن”: تضج الساحة اللبنانية بكلام كثير عن المواقف الأميركية. واللبنانيون يبنون مواقفهم على تمنياتهم وآمالهم.
اللبنانيون وموقف أميركا
موالو حزب الله يعتبرون أن الأميركيين بدأوا بخطوات تراجعية، وأن تسوية جديدة قيد التحضير. يستندون في ذلك إلى موقف وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد هيل، ويقولون إن واشنطن تعاملت سابقاً مع حكومات لبنانية تمثّل فيها حزب الله، وإن الهم الأميركي يتركز على الإصلاح. وبعد تحقيق الإصلاحات لا مانع لإميركا من تقديم المساعدات للحكومة اللبنانية، سواء شارك فيها حزب الله أم لم يشارك.
أما معارضو حزب الله، فيعتبرون أن كلام هيل يستهدف حزب الله، عندما وصفه بأنه رأس منظومة الفساد التي يجب أن تتغير.
وجوه لبنانية جديدة
لا شك أن الموقف الأميركي يحتمل وجوهاً متعددة، كل يقرأها حسبما يريد. وهناك معطيات كثيرة عن عدم وجود رؤية أميركية واضحة حيال الملف اللبناني. فهناك المتشددون الذين يرون أن انهيار لبنان يؤدي إلى انهيار حزب الله. وهناك نظرة ثانية تعتبر أن انهيار لبنان يقوّي حزب الله.
وتشير المعطيات إلى أن الأميركيين لم يتراجعوا عن مواقفهم أو ضغوطهم، مهما اختلفت أساليب التعبير أو طرق المتابعة. لا بل إن واشنطن تريد إحداث تغييرات كثيرة في لبنان: إيراز وجوه سياسية جديدة، وإدخالها إلى الحكم إلى جانب الوجوه القديمة، مع اتباع سياسة متشددة لتغيير النهج اللبناني القائم في الحكم.
التدقيق بحسابات مصرف لبنان
ومن أهم ما قاله هيل مثلاً: إجراء تحقيقات في حسابات مصرف لبنان، على اعتبار أن التدقيق في حساباته المالية من ضمن الإصلاحات الأساسية. وكلامه هذا يترافق مع وجهة داخل الإدارة الأميركية، تعتبر أن المصرف المركزي عمل على توفير مصالح حزب الله المالية بطريقة التفافية على العقوبات. وهذه قد تفتح الباب لمزيد من الضغوط على لبنان، فيزداد تخبطه وانهياره.
ويرى البعض أن موقف هيل خطوة هجومية وديبلوماسية مدروسة، مصدرها شخصية أميركية محسوبة على تيار يدعو إلى الهدوء والتروي داخل الإدارة. فمن باب الإصلاحات يحاول هيل تطويق حزب الله، والذي ينعكس على علاقته بحلفائه.. بدلاً من استخدام عناوين هجومية، كالحديث عن سلاح حزب الله، أو انسحابه من ميادين القتال الخارجية، أو عزله الذي قد يفسّر بأنه عزل للطائفة الشيعية، فتصطف خلفه. فكلام هيل عن الفساد لا ينحصر بحزب الله، وكذلك وقف تهريب السلاح والتهرب الجمركي.
الإصلاح لخنق حزب الله
من الواضح ان العقوبات الأميركية مستمرة، إلى جانب الضغوط المكثفة. ومطلب الإصلاح ليس بجديد، بل مستمر منذ أيام حكومة سعد الحريري. لذا، لا يمكن الحديث عن تغيير في الوجهة الأميركية بعد تفجير مرفأ بيروت.
وقد يكون الجديد في الأمر هو عمل الأميركيين في لبنان على قاعدة أن الإصلاح الحقيقي هو نقيض سياسات حزب الله ووجوده. والفكرة الأساسية لضربه هذا بابها، وليس استهدافه مباشرة ووحيداً، بل مع قوى الفساد كلها، والمرتبطة به. أي المنظومة التي يرعاها ويحميها.
والتمعن في شروط الإصلاح الأميركية ومضمونها بهدوء، يظهر أنها تسعى في جملتها إلى تطويق حزب الله وخنقه. فترسيم الحدود، يعني تكريس الاستقرار في الجنوب، وتعزيز صلاحيات قوات اليونيفيل، والسماح للشركات بالعمل على التنقيب عن النفط. والتدقيق المالي في حسابات مصرف لبنان – بالتوازي مع قانون قيصر – يرصد الحركة المالية لحزب الله والنظام السوري.
وهناك تقارير كثيرة تفيد بأن النظام السوري استفاد كثيراً من القطاع المصرفي اللبناني. وبعض التقارير تعود إلى ما بعد حادثة تفجير بنك لبنان والمهجر مباشرة. وقد تكون تلك الحادثة غيرت مسار تعاطي القطاع المصرفي مع تطبيق العقوبات الأميركية.
والأهداف تفسها تنسحب على مبدأ منع التهريب عبر المرافق الشرعية وغير الشرعية، وإغلاق الحدود مع سوريا. وهذه الأمور كلها – حسب بعض المتابعين – تستهدف حزب الله أولاً.