نأى “التيار الوطني الحر” بنفسه عن إدانة العقوبات الاميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، والنأي بالنفس لا يتصل على الإطلاق بأسباب محلية داخلية، إنما مردّه الجهد العوني المتواصل لتحييد نفسه بشخص رئيسه النائب جبران باسيل على وجه الخصوص عن لائحة العقوبات الأميركية التي تضم اسماء لبنانية عديدة، قد تظهر تباعاً وفقا لأجندة واشنطن.
من الآن فصاعداً، لن يحتمي نائب البترون بـ “حزب الله”. فسيف العقوبات سيبقى مسلطاً عليه عند أيّ ثغرة قد يقترفها، لا سيما وأن إحداث التوازن في علاقته بين حارة حريك وواشنطن لم يحدث النتائج التي يرجوها باسيل. صحيح أنّ قيادة “حزب الله” حاولت في الفترة الأخيرة أن تتفهم مواقف باسيل وتبرّرها لجمهورها بحُجّة أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” يحاول إعادة استقطاب الشارع المسيحي الذي خسر جزءاً كبيراً منه منذ 17 تشرين، وذلك عن طريق المزايدة عن الأحزاب المسيحية الاخرى عبر طروحات اللامركزية الادارية والمالية ومعمل سلعاتا وحقوق المسيحيين وبناء الدولة ومحاربة الفساد، بيد أنّ الحزب فشل في ذلك، فباسيل بات تحت مجهر الحزب والتململ الذي يعبر عنه مسؤولوه والمقربون منه من أداء الأخير، تظهّر الى العلن في الفترة الأخيرة، فهؤلاء يقاربون “النهج الباسيلي” بـ “لا ثقة” على الاطلاق، ويعتبرون أنّ تحالف باسيل معهم هو أشبه بالتحالف التكتيكي الذي يخدم مصالحه وعائلته السياسية، فهو لطالما بعث إلى الأميركيين برسائل تصب في هذا المنحى عندما شدد على سبيل المثال لا الحصر على أن “ليس بيننا وبين إسرائيل خلاف أيديولوجي ونحن نعترف لها بحق الوجود وأن تعيش بأمان”.
اليوم قرر باسيل تغيير النمطية في علاقاته الداخلية والخارجية. فقبل نحو شهر، أكّد في مؤتمر صحافي انّ “عندما تكون القصة داخلية، “منخانق” حزب الله لحدّ الفراق على مسألة بناء الدولة، وذاهبون لهذا المكان إذا لم يتحملوا في المرحلة المقبلة المسؤولية معنا لتتم الإصلاحات اللازمة”، فتعمد إلقاء المسؤولية على “حزب الله” في التلكؤ عن تنفيذ البند الرابع من وثيقة مار مخايل، متجاهلا أنه دخل في محاصصات من هنا وتسويات من هناك مع قوى سياسية مختلفة كان يتهمها بالفساد للحصول على ما يبتغيه. وأبعد من ذلك، استفاق نائب البترون على ملفات كثيرة تتصل بالحزب والحدود والحياد لتجنيب نفسه العصا الاميركية التي قد تكون بمثابة الضربة القاضية لمستقبله الرئاسي، بعد انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون.
وعلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، جاءت مواقف باسيل يوم الأحد، لتؤكد أنّ التيار البرتقالي قرر أن يحمي نفسه ومناصريه من أثقال الضغط الأميركي، فأطلق سلسلة مواقف علّ تردداتها تصل إلى الإدارة الأميركية، فأعلن أننا مع الحياد ولبنان لا يتحمّل تبعات مشاكل الغير، معلّقاً على زيارة رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” بالقول: “لبنان في هذه الفترة لا يحتمل أموراً على مثال ما جرى وقيل خلال زيارة السيد اسماعيل هنيّة، لأنه يؤذي لبنان ولن نقبل بأن يخلق أحد أي أمر واقع مهدّد للبنان”. وفي موضوع ترسيم الحدود، أيّد إنهاء ملف الحدود على أساس “ترسيم عادل لها” والالتزام بالقرار 1701، ورأى أن “بعض اللبنانيين مثلاً تفهّموا فكرة وجود الحزب بسوريا، والحزب اكيد بدأ يفكّر بالعودة من سوريا وتأمين ظروفها”. أما على الصعيد المؤسساتي، فقصف جبهة الثنائي الشيعي من خلال إعلانه أنّ “تكريس التوقيع الثالث، هو مثالثة نرفضها، ونؤيد المداورة”.
إذاً، قرر باسيل الابتعاد عن “حزب الله” ليجنب نفسه العقوبات الاميركية لا سيما أن اسمه وأسماء آخرين من التيار العوني لم يشطبوا بعد من الجدول الأميركي المخصص لأشخاص لبنانيين سوف تفرض عليهم العقوبات، فرئيس “التيار الوطني الحر” يدرك جيداً أنّ العقوبات لم تعد تهديداً، إنما باتت أمراً واقعاً، ووحده تغيير توجه البوصلة لجهة طي صفحة “تفاهم مار مخايل” سيرد عنه الضربات الأميركية، خصوصاً أنّ وتيرة العقوبات سوف سوف تتزايد الشهر المقبل، كما تقول مصادر مطلعة على الموقف الأميركي لـ”لبنان 24″.