من نجمة أفلام إباحية تمتلك ملايين المتابعين، إلى ناشطة سياسية تستخدم منبرها لمهاجمة النظام اللبناني وجمع التبرعات لبيروت المنكوبة، هكذا تحوّلت ميا خليفة خلال الشهرين الماضيين إلى رمز وطني وصوت مؤثر ضد الفساد وأركانه.
ورغم إدراكها للكراهية التي تكنّها لها شرائح من المجتمع اللبناني، أصرّت خليفة على التموضع كمغتربة لبنانية، مشاركةً في الخطاب السياسي العام، حتى غطّى صوتها على الأصوات الخافتة لغيرها من المشاهير اللبنانيين، بمن فيهم المقيمون.
ومن هنا جاءت استضافتها في برنامج “سردة بعد العشاء” الذي يقدّمه معين جابر وميديا عازوري في “يوتيوب”.
وبحسب جابر، لم تكن هناك حاجة إلى شرح معنى “سردة” لخليفة، فهي “جزء من ثقافتك”.
أما المواضيع التي غاصت فيها هذه السردة فتنوّعت بين السياسي والاجتماعي، مروراً بالدين وعالم صناعة الأفلام الإباحية والنسوية، واستحضرت تجارب خليفة ومساعيها الأخيرة إلى تقديم الدعم للشعب اللبناني.
وفي الشق الأخير، شرحت خليفة أن لجوءها إلى “تويتر” عقب انفجار بيروت لشنّ حملتين متوازيتين، الأولى من أجل جمع مساعدات للشعب اللبناني والثانية من أجل التنديد بالدولة اللبنانية، جاء نتيجة شعورها بالعجز، بل حتى بالذنب، تجاه أزمات الشعب اللبناني: “كان ردّ فعلي الأولي أن أتجه إلى تويتر وأبدأ بالثرثرة، ولم أتوقف عن الثرثرة منذ ذلك الحين”.
فهذا الحدث غيّرها، على حدّ قولها، ومنحها منظوراً ووعياً سياسيين جديدين، لأنه “جعلني أفهم الكره العميق الذي تكنّه بعض فئات للمجتمع للشرطة والحكومة وكافة الأجهزة الموضوعة لحماية الشعب، لكنها في الحقيقة تفسد وتدمّر البنى التحتية والحياة”.
ورغم شعورها العميق بلبنانيتها وتعاطفها مع وطنها الأم، لطالما شعرت خليفة “بالخزي” لاعتقادها بأنها أغرقت اسم لبنان في الوحل، على حدّ تعبيرها.
وهذا ما جعلها تتردّد في عرض نظّاراتها التي اشتهرت بها أفلامها البورنوغرافية في المزاد العلني بغية إستخدام عائداتها لمساعدة ضحايا انفجار بيروت.
وهنا استغل المضيفان الفرصة للتأكيد لخليفة بأنها لم تقدّم للبنان سوى الخير، وهذا ما سيتمّ تذكرها من أجله. إلا أن خليفة أصرّت على الاعتذار من النساء اللبنانيات اللواتي يتمّ تشبيههن بها إذا ارتدين نظارات.
وقالت: “أشعر بالذنب حين يتمّ تشييء النساء المحجبات أو اللواتي يشبهنني وحين يُنظر إليهن بشكل جنسي رُغماً عنهن”.
وحين أخبرتها عازوري بأن فئة واسعة من متابعيها ومحبيها في لبنان هي من النساء اللواتي يكنن لها كثيراً من الاحترام، هي التي رفضت اختزالها بمجرّد ممثلة أفلام إباحية، ذرفت خليفة بعض الدموع قائلةً: “لم أكن أعلم ذلك. كنت أظنّ أن النساء اللبنانيات يكرهنني”.
وبالحديث عن استخدامها للحجاب في أفلامها الإباحية، أكّدت خليفة أنها ليست في معرض الدفاع عما فعلته. فهي مستعدّة لتحمّل كامل المسؤولية إزاء “خلق نوع أفلام إباحية جديد يقوم على تحويل رمز بهذه القداسة إلى فيتيش جنسي”.
واستذكرت خليفة يوم طُلب منها ارتداء الحجاب في أوّل فيلم قامت بتصويره: “كنت حينها فتاة في الحادية والعشرين من العمر تدخل مجال صناعة أفلام الراشدين للأسباب الخاطئة.
كنت في علاقة مسيئة مع زوج مدمن على أفلام الجنس، ولم تكن لدي القدرة على قول لا.
وحين طلبوا مني وضع الحجاب، وأنا أعلم تمام العلم ماذا يمثّل الحجاب، كانت إجابتي التلقائية: ستتسببون في قتلي. لكنهم لم يهتموا، وكنت أخشى مواجهتهم أكثر من ردّ فعل الجمهور”.
وانطلاقاً من تجربتها السيئة في مجال الأفلام البورنوغرافية، انتقلت خليفة إلى الجبهة المعارضة لهذه الصناعة التي تعامل النساء كأدواتٍ لرغبة الرجل لا غير.
وأشارت إلى أن “النساء، أو الفتيات، لا يدخلن هذا المجال بهدف إطلاق مهنتهن والتحوّل إلى رائدات أعمال، بل يلجأن إليه هرباً من ظروف أو علاقةٍ صعبة.
إن هذه الخطوة إلى الأمام تتحوّل سريعاً إلى أصفاد حول كاحل المرأة”.
وباعتبارها سردة لبنانية، لم تخلُ المحادثة من السياسة بطبيعة الأمر.
وعند سؤالها عن وشمها السابق، وهو شعار القوات اللبنانية، أوضحت خليفة أنها لم تنتمِ يوماً إلى القوات اللبنانية، ولا يمكنها لفظ اسمهم حتى، بل “كنت أتبعهم على نحوٍ أعمى، نظراً إلى حاجتي للاتصال بجذوري اللبنانية، ومن دون أن أدرك ما يمثّله هذا الشعار من عنصرية”.
إلا أن خليفة إستمعت إلى انتقادات متابعيها، وتقبّلت جهلها بأمور السياسة اللبنانية الشائكة.
وبعد وقوع الإنفجار ومتابعتها للأخبار اللبنانية “تعلّمت أكثر عن تركيبة النظام اللبناني وفهمت أنه يجب إعادة بنائه من جديد”.
وهنا سارعت ميا إلى إخفاء وشمها بآخر يحمل الأرزة وكلمة “بيروت”.