إلا أن ما أشيع عن ضغط أميركي لإنهاء الفراغ الحكومي في سرعة، بعد مضي 25 يوماً على اعتذار السفير مصطفى أديب عن الاستمرار في مهمة “حكومة المهمة” التي اقترحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، شكل عاملاً مؤثراً ضد تأجيل الاستشارات ثانية. فاتصال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعون أول من أمس الإثنين، والذي قالت الخارجية الأميركية أنه تناول ما تتطلع إليه بلاده من تشكيل حكومة “تلتزم بإصلاحات، تؤدي إلى فرص اقتصادية وحكم أفضل ووضع حد للفساد وقادرة على تنفيذ هذه الإصلاحات”، لم يكن تفصيلاً. وإذا كان الانتقاء الدقيق لكلمات البيان يرفد جهوداً بذلتها الديبلوماسية الأميركية من أجل الكف عن إضاعة المزيد من الوقت، وبالتالي تسريع تكليف الحريري، فإن التكهنات عن أن تسمية الأخير قد تتم في الغد، لا تعني أن تأليف الحكومة سيكون مفروشاً بالورود، تدفع إلى السؤال عما إذا كان إصرار عون وفريقه على استبعاد الحريري من الرئاسة الثالثة سيذهب به إلى مغامرة جديدة. فرفض عون توقيع التشكيلة الوزارية التي سيعرضها زعيم “المستقبل” بحجة عدم مراعاتها تسمية الوزراء المسيحيين من قبل “التيار الوطني الحر”، ما زال الوسيلة الأقوى في يده، بهدف دفع الحريري إلى الاعتذار، الأمر الذي لن يقدم الأخير عليه. فالأخير بدأ تحضير ملفاته الإصلاحية وما تتضمنه خريطة الطريق الفرنسية على هذا الصعيد، عبر ترجمتها إلى مشاريع قرارات وقوانين ومراسيم، انسجاماً مع مهلة “البضعة أشهر” التي أعطاها لنفسه حين رشح نفسه للمهمة، على أن تأتي حكومة أخرى من بعدها.
لكن من غير المنتظر أن يتقدم همّ تنفيذ الإصلاحات كشرط لدعم لبنان مالياً من أجل انتشال اللبنانيين من الوضع المعيشي المزري، على غريزة المحاصصة لدى الفرقاء في تشكيل الحكومة. وهذا سيعيد التعطيل إلى المسرح مجدداً ويطيل الفراغ الحكومي إلى أجل غير معروف.
سيكون على “حزب الله” أن يختار في هذه الحال بين الانحياز إلى حليفه عون- باسيل، وبين تفاهمه مع الحريري على قيام حكومة تلبي شروطه في التمثيل والتسمية، مع إمكان الحد من الانهيار المالي.
المفارقة أن كلاً من الخصمين، عون – باسيل، والحريري، يسعى إلى دعم أميركي لتوجهاتهما. فريق العهد يعمل على استرضاء واشنطن مقابل استيائها من تحالفه الاستراتيجي مع “حزب الله”، إلى درجة أن ضمه مدنيين إثنين إلى الوفد المفاوض حول الحدود البحرية الأسبوع الماضي كنموذج انفتاح على تطلعات الأميركيين من المحادثات، تسبب باعتراض “الحزب” وحركة “أمل”. والحريري الذي ربط النزاع مع “الحزب”، لقي دعماً غير مباشر لترشيحه لرئاسة الحكومة من واشنطن، بعدما كانت معارضة لتبوئه المنصب سابقاً، فيما “الحزب” متحمس لعودته.
على رغم أنها حالة مربكة لـ”حزب الله”، ربما تكون فرصة جديدة لواشنطن كي تستأنف عقوباتها. فديفيد شينكر أبلغ من يجب أن لا علاقة بينها وبين ترسيم الحدود، وأن وزارة الخزانة تصدر في الوقت المناسب واحدة من اللوائح التي لديها. فهل تأخر الحكومة يسرّعها؟