للتذكير فقط، فإن الاجواء التفاؤلية التي تحوط الملف الحكومي اليوم، سيطرت على الداخل اللبناني غداة تكليف الرئيس مصطفى اديب، منذ شهر ونيف.
وللتذكير ايضا، فإن الكلام الجميل المنمّق، الزاهد بالسلطة والحقائب والوزارات، الذي سمعه الرئيس سعد الحريري امس، سمع أديب نسخةً طبق الاصل منه، خلال استقباله الكتل ابان الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها… فهل ستصمد هذه المناخات الايجابية الزهرية هذه المرة؟ ام سيخلق لنا الله – وحزبُه والاحزاب – ما لا نعلم (أو نعلم)، في الايام القليلة المقبلة، فتعود سماء التأليف لتتلبّد، ويلقى الحريري مصير أديب؟ حتى الساعة، كل شيء يوحي بأن الامور ذاهبة في الاتجاه الصحيح، كون الجميع تنازل وتواضع.
فما رفضه سفير لبنان في المانيا، يبدو سيرضى به بيت الوسط، لناحية التفاهم والتنسيق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقوى السياسية على اختيار وزرائهم في الحكومة شرط ان يكونوا من الاختصاصيين غير الحزبيين.
في المقابل، التيار الوطني الحر، تخلّى عن تشبّثه بمعادلة “سعد – جبران معا في داخل الحكومة او خارجها”، شرط ان ينال المعاملة نفسَها التي سينالها الثنائي الشيعي، الذي ايضا، عولجت عقدته باعطائه “المالية”، وتبقى روتشة التفاهم بينه والحريري على برنامج الحكومة، خاصة لجهة التعاون مع صندوق النقد الدولي وشروطه… هذه “التسوية” المدعومة من الاليزيه خصوصا والمجتمع الدولي عموما، يفترض ان تجعل ولادة الحكومة سريعة وسلسة.
اما اذا تأخّرت العملية وتعثّرت مجددا، فإن ذلك سيدلّ على نية محلية – اقليمية، بإبقاء لبنان معلّقا على الخشبة في انتظار التطورات الدولية، وابرزها نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية المحددة في 3 تشرين الثاني المقبل…
ليونة حريرية: متسلّحا بالدفع الفرنسي – الدولي، ومستفيدا من “طوباوية” القوى السياسية التي سمّته ولم تسمّه، والتي ظهرت معالمها بوضوح امس خلال الاستشارات “شكلا” و”مضمونا”، انطلق الرئيس المكلف سعد الحريري في مشوار الالف الميل نحو تشكيل الحكومة التي حدد صفاتها اكثر من مرة “تضم اختصاصيين غير حزبيين”، حتى انه وضع تصوّرا اوليا لها.
فغداة اتصال اجراه مساء الجمعة برئيس مجلس النواب نبيه بري، زار قصر بعبدا عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، مستهلّا سلسلة اتصالات واسعة سيجريها مع الاحزاب والتكتلات للاتفاق معها حول تركيبة الحكومة العتيدة وبرنامجها.
ووفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة، فإن زيارة الحريري القصر غداة الاستشارات تحمل اشارات ليونة ومرونة، تعكس رغبته على الوقوف عند رأي الرئيس عون وعند مطالبه وتصوّره للتشكيل، خلافا لسلفه أديب… فهل سيلاقي الرئيس عون، خصوصا، والفريق الرئاسي اي التيار الوطني عموما، الحريري في منتصف الطريق، فيتصاعد الدخان الابيض في غضون ايام قليلة؟
القصر يستبق: الجواب ضبابي وسيتظهّر تباعا في اعقاب اجتماع عون – الحريري، سيما وان القصر استبق وصول الاخير اليه، بتعميم معلومات “نافرة لافتة”، من الضروري معرفة موقف بيت الوسط منها.
فقد اشارت مصادر مقربة من الرئيس عون الى ان “بات محسوما ان القوى السياسية ستسمي وزراءها، وان مبدأ المداورة سقط، وان الحصّة الشيعيّة شبه متّفق عليها ووزارة المال ستكون لبرّي وحقيبة الصّحة ستبقى مع “حزب الله” وان وزير الصحة سيكون اختصاصيّاً وليس حزبيّاً أي لا يمتلك بطاقة حزبيّة، وان الطاقة ستبقى مع التيار الوطني”، لافتة الى ان “حصة الدروز والسنة والشيعة في الحكومة، شبه محسومة، ويبقى التفاهم على حصة المسيحييين، وهذا ما سيحصل خلال اللقاء”.
في الموازاة، قالت ان “بعبدا تنظر بايجابية الى مقاربة الحريري الا انها ايجابية حذرة، كون الشيطان يكمن في التفاصيل”.
ولفتت الى ان “باسيل قال للحريري بالأمس إن معايير التشكيل يجب أن تكون واحدة بمعنى أنه “إما الجميع يسمون وزراءهم أو الجميع لا يفعلون، وان كان الجميع لا يسمون فتشكِّل الحكومة أنت ورئيس الجمهورية ونحن نوافق مسبقا على كل ما تتفق عليه معه”.
الحجم والبرنامج: وبينما ستساعد محادثات عون – الحريري اليوم، المراقبين، على تحديد المسار الذي ستسلكه عربة التأليف، وما اذا كان سيكون سهلا ام معقدا، اضافة الى المدة الى ستستغرقها العملية، تقول مصادر سياسية مراقبة ان أهم النقاط التي سيركّز عليها الحريري في اتصالاته كلّها، وأبرزها سيضمّه قريبا الى “الخليلين”، هي شكل الحكومة وحجمها، حيث يريدها “مصغّرة” فيما يفضّلها حزب الله والتيار الوطني الحر موسّعة، غير ان هذه المسألة لن تكون عائقا امام التشكيل.
اما النقطة الثانية، فهي برنامج الحكومة، حيث سيسعى الحريري الى انتزاع موافقة متجددة من القوى السياسية على الالتزام بما تعهّدت به امام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الصنوبر. فالاصلاحات تعتبر اولوية وملزمة للفوز بالدعم الدولي.
وهنا، سيدعو الحريري، القلقين من صندوق النقد وشروطه – وعلى رأسهم حزب الله – الى عدم رفع السقف واللاءات الى درجة تعوق التشكيل، بل سيحثّهم على حمل معارضتهم هذه الى مجلس النواب. فأي بند لا يروق للحزب، او لأي طرف آخر، يمكن ان يسقط في ساحة النجمة لاحقا.
الاوضاع ضاغطة: وترى المصادر ان الاوضاع المعيشية والحياتية المتردّية ستفعل فعلها هذه المرة، وستضغط على القوى السياسية كلّها، لوضع الماء في نبيذها. فأزمة النفايات انفجرت مجددا في شوارع الضاحية الجنوبية امس، فيما كورونا يتفشى.
فقد حلّق عدّاد الاصابات بالوباء مسجّلا رقما قياسيا جديدا امس، على وقع قرار مستشفيات كبرى وقف استقبال المرضى بسبب النقص في معداتها! أما الغلاء الفاحش في الاسعار، والنقص في المحروقات وفي المازوت على ابواب الشتاء، فيحتاجان ايضا معالجة ملحّة لا يمكن لاحد – مبدئيا – تحمّل وزر تأجيلها.. الا اذا كانت المصالح الخاصة والاقليمية لا تزال أقوى!
الدولار يتراجع: في الغضون، وفي عامل يفترض ان يحثّ الجميع على المضي قدما في التشكيل، واصل الدولار الأميركي تراجعه في السوق السوداء، والذي كان بدأ منذ أيّام. وبعد أن انخفض الدولار أمس، للمرة الأولى منذ فترة طويلة، الى ما دون السبعة آلاف ليرة، سجّل اليوم تراجعاً جديداً حيث وصل الى ٦٣٠٠ ليرة للمبيع و٦٥٠٠ ليرة للشراء.
حلحلة ولكن: استشفائيا، اعتبر نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون أن “ما صدر عن مصرف لبنان حول تأمين الأموال نقدا للمستشفيات لدفع ثمن المستلزمات الطبية، لم يأت على ذكر الأدوية وهو بالتالي غير واضح”، مشيراً الى اعتقاده أن المشكلة لم يتم حلها حتى الآن.
وشدد، في تصريح تلفزيوني، على أن المسؤولية لا تقع على المستشفيات بل على تعميم مصرف لبنان، وجزء من المسؤولية يقع على المستوردين، مؤكداً أن المستشفيات لا تمتنع عن اعطاء الدواء بل ان الدواء غير موجود لديها، الا انه طمأن الى “ان المستشفيات لن تمتنع عن استقبال المرضى، بل هناك أدوية ومستلزمات لم تعد موجودة والوكيل يفرض علينا ان ندفع ثمنها نقدا”.
في المقابل، أكّد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن أن صوت المستشفيات وصل، معتبراً أن “تصريح حاكم مصرف لبنان ريض سلامة والمصارف أمس، ايجابي”.
وشدد حسن على أن تهديد اللبنانيين بوقف استقبالهم من قبل المستشفيات أمر غير مقبول، لافتاً الى أن “القطاع الاستشفائي يجب أن لا يتزعزع من الناحية المالية.
” وكشف أن نتائج ما قالته المصارف وسلامة، يجب أن تظهر ابتداء من الاثنين ونحن نتابع هذا الأمر.