في الصالونات السياسية، تتنّوع الفذلكات السياسية في تفسير انسداد الأفق الحكومي، وربطها بالجيو بوليتيك… والاستراتيجيا. منها ما يردّ التعطيل إلى “حزب الله” وحليفه الرئيس ميشال عون، ومنها ما يردّه إلى الضغط الأميركي لأن واشنطن لا تريد أن يتمثّل “الحزب” في الحكومة ولو بغير حزبي. عند عامة الناس، الأجوبة غير معقّدة بعد عرض الواقع المعيشي والصحي المأسوي: ماذا ينتظر رئيس الجمهورية وجبران باسيل كي يسهّلا تأليف حكومة؟ ألا يهتمّان بأحوالنا التعيسة ليحصرا همّهما بالمناكفة من أجل حصّتهما الوزارية في حكومة قالوا إنها لـ 6 – 8 أشهر لتنفيذ بعض الإصلاحات؟
القاعدة هي أنّ الحسّ الشعبي لا يخطئ، على بساطته.
الشائع في الأوساط المواكبة للقاءات الرئيس عون مع الرئيس المكلف سعد الحريري، على ندرة التسريبات عنها، أن عبارة “الإيجابية” غابت عن الخبر الرسمي الصادر حولها من القصر الرئاسي في الأسبوعين الماضيين. أما الحريري فعلى صمته. واللقاءات الثلاثة الأخيرة بينهما التي أعقبت فرض العقوبات الأميركية على باسيل في 6 تشرين الثاني كانت سلبية. في الأول، كان رئيس الجمهورية مضطرباً ومنزعجاً جرّاء الموقف الأميركي من صهره. وفي الثاني طلب من الحريري أن يأتيه بعد أن يجري جولة مشاورات جديدة مع الكتل النيابية ثم يعود إليه بالحصيلة، تأسيساً على ما قاله للموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل بأنّ تسريع الحكومة كما تطلب باريس، يحتاج إلى أوسع تشاور مع الفرقاء. وفي الثالث تردّد أنه حين اقترح عليه الرئيس المكلّف بعض الأسماء المسيحية، رفضها وطلب تسمية معظم هؤلاء وعاد عن صيغ كان اتفق معه عليها في لقاءات سابقة.
لم تعد القناعة بأنّ الرئيس عون وحلفاءه، لا يريدون حكومة مبنية على استنتاج. الرواية تقول من بعض محيط القصر إن “لا حكومة، لا قبل العقوبات على باسيل ولا بعدها”. وبعض حلفاء “التيار الوطني الحر” سبق أن أسرّوا بأنهم حين سألوا، بعد اعتذار السفير مصطفى أديب وقبل تكليف الحريري، متى الحكومة؟ جاءهم الجواب: ولماذا الحكومة؟!
وبعض من يلتقون الرئيس عون لم يخفوا عدم اكتراث محيطه الضيّق بتسريع الحكومة وبالتعهّد بالتزام المبادرة الفرنسية ولا يبدو قلقاً من مزيد من التدهور المالي. ولا يوارب بعض هؤلاء بالإشارة إلى أنّ اقتراب نفاد احتياطي مصرف لبنان مع السنة الجديدة الذي سيوجب رفع الدعم عن سلع أساسية، له مخرج قد يضطر البنك المركزي لاستخدام الاحتياطي الإلزامي (17،5 مليار دولار) الخاص بالمصارف (وفق قانون النقد والتسليف)، الذي كان رياض سلامة أكد أنه لا يمكنه إنفاقه على الدعم. وهذا الاحتياطي هو ما تبقّى من أموال المودعين لدى المصارف. حسابات بعض زوايا القصر أن الاحتياطي الإلزامي يكفي لدعم السلع الضرورية حتى نهاية العهد.
ختاماً، أبلغ عون من يلزم بأن العقوبات على باسيل تشبه ما تعرّض له هو من محاولات عزله في التسعينات، وأنه ظُلم وصبر وعاد فانتصر، “وجبران سينتصر كما انتصرت أنا”.