وشدّدت الأمم المتحدة، على ضرورة “صون سلامة اللغة العربية الفصحى” من خلال “جعلها متوافقة مع متطلبات المشهد اللغوي والمتغير اليوم”.
التكلّم بالفصحى علامة فارقة
في المقابل، يتعامل اللغويون العرب، بخاصة منهم القدامى، مع الكلام المحلّي أو الدارج، بصفته لحناً، بحيث يكون الخطأ في الإعراب، لحناً، ومجمل أخطاء اللفظ واللغة، لحناً، على اعتبار أن الفصحى باتت القياس، دون إشارة واضحة منهم، إلى أن غالبية المتكلمين في الحياة العامة، يستعملون العاميات واللهجات، في المقام الأول، ومن كان يتكلم بالفصحى، كان يشار إليه، بالاسم، ويقال عنه: يتكلم بالفصحى!
وبحسب الغالبية الساحقة من المصنفات العربية القديمة التي اشتغلت على موضوع “اللحن” فإن تصويب الكلام، كان يعتمد على المفردات الأقرب للفصحى، إنما شابها “لحن” في النطق أو الإعراب، فيما تم إهمال كلام عامة الناس الذي هو في غالبه، لم يكن يعتمد النحو، مطلقاً.
وانطلاقاً، من غلبة كتب “اللحن” ساد اعتقاد لدى عدد كبير من العرب، بأن اللحن ظاهرة متأخرة، جاءت بعد فصحى تامة المعايير، فيما الحقيقة أن اللهجات العاميات كانت مصاحبة للعرب وللفصحى، في شكل مبكر، بل كانت السبب البارز، من ضمن أسباب أخرى، لحصول ظاهرة ما نسميه الآن، اللهجة العامية.
العامّية أصلها في اللهجات العربية
وبحسب الدكتور عبد العالي ودغيري، الباحث اللغوي البارز، وصاحب قاموس “العربيات المغتربات” فإن عددا من اللهجات العربية القديمة، سواء ما أدمج في الفصحى المشتركة المختارة من لهجات العرب، أو التي لم تدمج، ظلّت “قائمة ومستعملة على هامش الفُصحى” تبعاً لما ذكره في بحث له، بعنوان “الفصحى واللهجات العربية المعاصرة، علاقة اتصال أم انفصال؟”.
وفي حين يركن عدد كبير من اللغويين العرب القدامى، إلى مقولة أن الفصحى دخل إليها اللحن، لاحقاً، بسبب الانتشار في المدن وتكلم غير العرب بها، وأسباب أخرى، كشف ودغيري السابق ذكره، سرّ الفجوة الواسعة ما بين الفصحى والعامية، وأعاد الظاهرة إلى قرون خلت، ترافقت مع هجرات أفراد القبائل العربية، أثناء وبعد الفتح الإسلامي، إلى مختلف أصقاع العالم العربي، كمصر والمغرب العربي وبقية المناطق “المفتوحة”.
رحلوا وأخذوا معهم لهجاتهم
وقال الباحث اللغوي في هذا السياق، إن أصحاب اللهجات العربية، حين انتقلوا إلى مناطق مختلفة “من البلاد المفتوحة”، حملوا معهم لهجتَهم، وظلّوا يستخدمونها، في ما بينهم. وأعطى مثالاً عن قبائل “بني هلال” و”بني سُليم” و”بني معقل” والتي “تركت أوطانها الأصلية” وأقامت فئة منها “في صعيد مصر” وبعضها وصل المغرب العربي، كما قال، مؤكداً احتفاظ هذه القبائل المذكورة، على سبيل المثال، لا الحصر، بلهجاتها الأصلية.
هكذا تشكلت اللهجة المحلّية
ويوضح ودغيري، آلية تشكل “اللهجة المحلية” بقوله، إن تلك اللهجات التي انتقلت مع أصحابها المهاجرين، تحولت إلى “لهجات محلّية” بفعل الزمن وكثرة الاستعمال والاختلاط مع اللغات المحلية. ويؤكد أن هذه الآلية، شملت كل قبيلة عربية نزح جزء منها، إلى هذه البلاد أو تلك، من أنحاء العالم العربي والإسلامي.
ومن الجدير بالذكر، أن المعيار الذي يستند إليه غالبية اللغويين العرب القدامى، هو أن وصف اللحن في القول، أو ما يوصف بلغة “السوقة” ابتذالا، يقدّم بصفته انحرافا عن الفصحى، الأساس، فيما بحسب ودغيري، فإن العاميات، لهجات ظلت تستعمل، إلى جانب الفصحى، وانتقلت على ألسنة العرب المهاجرين، كما هي وكما حملوها من أوطانهم الأصلية.
وفي إطار تفسيره لكبر حجم الهوة بين الفصيح والعامي، أوضح ودغيري بأن ما ساعد اللهجات على الاستمرار والبقاء، حتى صارت لهجات عاميات عند مختلف بلدان العرب، هو أنها تُرِكت تعمل، بحرّية وجود وحركة، كونها لهجات غير مدوّنة، ولا تخضع لقانون مكتوب، فظلت لهجات شفوية، غير مكتوبة، الأمر الذي “زاد من قابليتها للتطور السريع”.
ويطرح ودغيري عدة حلول، لتلافي أخطار الفجوة ما بين الفصيح والعامي، ولتقوية العربية الفصحى، ويطالب بتدخل مؤسسات الحكومات العربية، خاصة منها العلمية والمجمعية والإعلامية، لوضع خطط لغوية وتدابير صارمة، لحماية اللغة العربية من “هذه الظاهرة الخطيرة” على أن يكون هدف هذه التدابير “تقوية مكانة الفصحى في المؤسسات المجتمعية”.
يذكر أن الأمم المتحدة خصصت يوم الثامن عشر من شهر كانون الأول، من كل عام، يوماً عالميا للاحتفال باللغة العربية.