في الأشهر الأخيرة من العام الفائت تفجّرت الأزمة في لبنان بكل تشعّباتها، اقتصادية مالية ونقدية، فكانت شرارة انطلاق ثورة 17 تشرين الأول 2019 على وقع قرار وزارة الاتصالات فرض ضريبة على تطبيقات التواصل الإجتماعي بينها whatsapp.
تضافر عدة عوامل بينها أزمة شح الدولار وتراجع سعر الليرة تدريجياً وانطلاق الثورة دفع بالمودعين إلى التهافت على سحب ودائعهم من المصارف، لاسيما بعد افتضاح عمليات تحويل ودائع ضخمة إلى الخارج، خلال أشهر سبقت 17 تشرين الأول. فأغلقت المصارف أبوابها لأسبوعين متتاليين تحت ذريعة تجنّب أعمال التخريب خلال الثورة.
إغلاق المصارف وما ترافق من فوضى واستقالة حكومة سعد الحريري تحت ضغط الشارع نهاية شهر تشرين الأول 2019، وبروز السوق السوداء للدولار دفع بالليرة إلى مزيد من الانخفاض. فتراوحت خلال شهري تشرين الثاني وكانون الأول 2019 بين 1700 ليرة و2000 ليرة. واختتمت الليرة اللبنانية عامها الفائت على سعر 2100 ليرة للدولار.
منعطفات الليرة
أحداث ومنعطفات كثيرة مرت بالبلد منذ عام وحتى اليوم، حملت قاسماً مشتركاً فيما بينها هو انهيار الإقتصاد اللبناني، ومعه الليرة اللبنانية، التي بلغت مستويات خطرة خلال العام 2020 تجاوز فيها سعر الدولار 10 آلاف ليرة لبناينة للمرة الأولى في تاريخ لبنان.
وهنا أبرز محطات الليرة اللبنانية للعام 2020:
انطلق عام 2020 بفراغ حكومي وفوضى عارمة في الشارع، وداخل القطاع المصرفي والسوق السوداء والأسواق الاستهلاكية، مع ظهور معالم شح الدولار بشكل واضح. فارتفع سعر الدولار في كانون الثاني، الشهر الأول من العام، لما يفوق 2100 ليرة. ووصل إلى نحو 2500 ليرة، قبل تشكيل حكومة جديد برئاسة حسان دياب.
وفي شباط 2020 بدأت معاناة لبنان كما العالم مع فيروس كورونا Covid 19، فدخل في مرحلة إقفال شبه تام، وتعطيل للنشاط الاقتصادي والحياة العامة والمؤسسات والقطاع التربوي وغيره، فهدأ الدولار من اندفاعه ليسجّل تراجعات طفيفة أمام الليرة.
لم تدم فترة هدوء سعر الدولار التي ختم بها شهر شباط الفائت. ففي شهر آذار من العام 2020 انطلق الدولار مجدداً، وبسرعة جنونية، لاسيما بعد إعلان لبنان رسمياً تخلّفه عن سداد سندات يوروبوندز المستحقة ذلك للمرة الأولى على الإطلاق، فتجاوز سعر الدولار 2750 ليرة.
استمرّ الدولار بالارتفاع والليرة إلى تراجع في شهر نيسان 2020 فتجاوز عتبة 3000 ليرة، بالغاً في بعض الأيام 3800 ليرة و3850 ليرة، أما الحدث الأبرز فكان لدى المصارف. إذ باشرت جمعية المصارف في شهر نيسان 2020 باعتماد سعر صرف 2600 ليرة للدولار، خلال التعامل مع صغار المودعين، تماشياً مع تعميم مصرف لبنان الذي أوصى فيه بجواز سحب أصحاب الودائع التي لا تتعدّى 3000 دولار أميركي أو 5 ملايين ليرة لبنانية، أموالهم وفق سعر صرف المنصة الإلكترونية (لم تكن قد انطلقت بعد) وهو ما حدّدته المصارف بـ2600 ليرة.
وفي شهر أيار ارتفع الدولار إلى ما يفوق 4000 ليرة وقارب 4500 ليرة في النصف الثاني من أيار، لاسيما بعد أن فرض مصرف لبنان على مؤسسات التحويل المالي (OMT وسواها) تسليم الحوالات المالية وفق مديرية العمليات النقدية بـ3200 ليرة لبنانية للدولار على أن يتم تحديثه يومياً، لكن هذا الإجراء لم يدم طويلاً.
أما في شهر حزيران فكسر الدولار حاجز الـ5000 ليرة، مسجّلاً زيادات كبيرة ومتسارعة جداً بما يوحي بانفلات السوق تماماً. وكانت حينها قد بدأت محال الصرافة النظامية بتسعير الدولار مقابل الليرة ضمن هامش متحرّك بين 3850 ليرة حداً أدنى للشراء، و3900 ليرة حداً أقصى للمبيع. كما حدّدت مديرية العمليات النقدية في “مصرف لبنان” سعر صرف الدولار عند دفع الحوالات النقدية الواردة من خارج لبنان بـ3800 ليرة لبنانية.
الانهيار التام
ذروة سعر صرف الدولار أمام الليرة بلغت في شهر تموز 2020 حين تجاوز الدولار الواحد 10000 ليرة، مسجلاً رقماً قياسياً هو الأعلى على الإطلاق في رحلة انهيار الليرة. ارتفعت حينها أسعار المواد الإستهلاكية بشكل جنوني، وشهدت المناطق اللبنانية تحركات شعبية وقطع طرق احتجاجاً على ارتفع سعر صرف الدولار أمام الليرة.
لم يستمر الدولار طويلاً عند مستوياته القياسية، فقد تراجع بشكل ملحوظ عقب استقالة حكومة دياب في شهر آب 2020، بعد مرور أقل من أسبوع على الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت وأودى بحياة المئات وجرح الآلاف ودمار نصف العاصمة بيروت. تراجع الدولار تدريجياً إلى محيط 7500 ليرة و8000 ليرة.
أما في شهر أيلول فبدأ الحديث جدياً عن رفع الدعم عن استيراد المواد الأساسية، بعد شح احتياطات العملة الأجنبية لدى مصرف لبنان. فتحوّلت الأسواق إلى سوق سوداء كبيرة، تسوّق فيها كافة المنتجات وتُحتكر وتُخزّن من قبل الشركات والتجار والمستوردين. فشحت الأدوية واعتادت المناطق اللبنانية الطوابير بين الحين والآخر على محطات المحروقات والأفران والمواد الغذائية المدعومة، أما الدولار فاستمر في شهر أيلول في محيط 8000 ليرة.
في شهر تشرين الأول كما شهر تشرين الثاني سار الدولار في السوق السوداء ضمن مستويات شبه متقاربة تقل عن 8000 ليرة، فتراجع إلى محيط 7300 ليرة، قبل أن يعاود الإرتفاع تدريجياً في شهر تشرين الثاني وبلوغه 8500 ليرة بالحد الأقصى. ولا يزال يدور ضمن المستويات عينها خلال الشهر الأخير من العام 2020، شهر كانون الأول. لكن أبرز ما كان يتحكّم بالسوق السوداء في الأشهر الثلاثة الأخيرة ويتلاعب بسعر الصرف كان التطبيقات الإلكترونية وكبار التجار والصرافين، الذين يبدو أنهم يعملون بعلم وربما برضا مصرف لبنان والجهات الرقابية، نظراً لعجز القضاء عن ملاحقة أي منهم.
يُختتم عام 2020 على ثلاثة أسعار شبه رسمية لصرف لليرة هي 1507 ليرات للدولار، السعر الرسمي المُعتمد لدى مصرف لبنان. و3900 ليرة السعر المُعتمد لدى المصارف بالسحوبات من الودائع الدولارية. و8300 ليرة المُعتمد اليوم في السوق السوداء. أما العام المقبل 2021 فيبقى رهن سياسات الدولة الغائبة والمغيّبة معها أي محاولات للإصلاح الاقتصادي”.