واستفاد رجل الأعمال، اللبناني، البرازيلي، الفرنسي، والرئيس السابق لتحالف رينو نيسان ميتسوبيشي، من أن لبنان لا يسلم رعاياه إلى دولة أخرى لمحاكمتهم، ليبقى منذ فراره الغامض والمثير للجدل من طوكيو، بعيدا عن القضاء الياباني الذي كان قد وضعه قيد إقامة جبرية مشددة.
وبعدما كان يجوب الكوكب، يعيش غصن (66 عاما) حياة هادئة في بيروت. يقيم في فيلا أنيقة، كانت شركة نيسان قد اشترتها ورممتها حين كان رئيسها، تقع في شارع راق في منطقة الأشرفية في بيروت.
ويمضي غصن وقته مع زوجته كارول، التي لم يغفل في أي من اطلالاته الإعلامية الحديث عنها وعن عمق علاقاتهما. ويحيط نفسه بدائرة ضيقة من الأصدقاء المقربين. ويقضي أحيانا إجازات قصيرة في بيوت الضيافة المنتشرة في مناطق جبلية عدة في لبنان.
في مقابلة مع صحيفة “لوريان لو جور” الناطقة بالفرنسية في بيروت مطلع نوفمبر، قال غصن: “لا أحن الى أي شيء من حياتي السابقة، واليوم أشعر بأنني متجذر في لبنان، وهذا ما لا يقدر بثمن”.
ووصل غصن إلى بيروت نهاية العام الماضي، بعد فراره من اليابان حيث اعتقل في تشرين الثاني 2018 وأمضى 130 يوماً في السجن على مرحلتين.
ووجه القضاء الياباني أربع تهم إليه بينها عدم التصريح عن كامل دخله واستخدام أموال شركة نيسان التي أنقذها من الإفلاس لسداد مدفوعات لمعارف شخصية واختلاس أموال الشركة للاستخدام الشخصي.
ويبلغ إجمالي المبلغ الذي لم يصرح به أكثر من تسعة مليارات ين ( تعادل 85 مليون دولار)، بحسب طوكيو.
إلا أن غصن، نفى كل الاتهامات خلال مؤتمر صحفي مطول عقده في بيروت بعد أسبوع من وصوله إليها، وتحدث بجرأة وثقة مطلقة ببراءته وأسهب في الحديث عن ظروف محاكمته، متهما القضاء الياباني بأنه “منحاز”.
وطالبت اليابان لاحقا لبنان بتسليم غصن لاستكمال محاكمته، إلا أن السلطات في بيروت طلبت من طوكيو تزويدها بملفه القضائي، وهو ما لم يحصل بعد.
وفي تقرير نشرته في 20 تشرين الأول، اعتبرت مجموعة العمل حول الاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة أن “حرمان” غصن من “الحرية” في اليابان كان “تعسفيا”.
ورأت أن شروط وضعه قيد الإقامة الجبرية “كانت على ما يبدو صارمة بشكل استثنائي”.
واعتبرت المجموعة المؤلفة من خبراء مستقلين لا يتحدثون باسم الأمم المتحدة ولا تعد آراؤهم ملزمة، أن “الحل الملائم يكون بمنح السيد غصن حقا قابلا للإعمال قانونيا بتعويض وسبل انصاف أخرى، تماشيا مع القانون الدولي”.
محققون فرنسيون
ويطالب نيسان وميتسوبيشي بتعويض قدره 15 مليون يورو عن ما يعتبره إلغاء تعسفيا لعقده. كما بدأ معركة قضائية ضد شركة رينو للحصول على حقوق مهمة في التقاعد والأسهم.
ورغم الاتهامات، لا يزال كثر في لبنان في الدوائر السياسية والأكاديمية وقطاع الأعمال يعدون غصن “قدوة” نظرا لمسيرته المهنية الطويلة في عالم صناعة السيارات، ونموذجا عن “الإبداع” اللبناني في الخارج.
وغالبا ما يسأل غصن عن رغبته بخوض العمل السياسي في بلد يشهد أزمات متلاحقة وانهيارا اقتصاديا غير مسبوق وانقساما سياسيا حادا، إلا أنه يتهرب من اطلاق مواقف سياسية ويبدي استعداده دوما لوضع خبرته العملية في خدمة بلده من دون تولي أي منصب سياسي.
وقال في تصريح سابق: “لست رجل سياسة ولا أسعى لذلك”.
في 29 أيلول، أطل غصن من على منبر جامعة لبنانية خاصة لأول مرة منذ أشهر، ليطلقا معا برامج تدريب مخصصة لدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة وتنمية مهارات الطلاب، فيما يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية.
ونشر غصن في تشرين الثاني كتابا بعنوان “زمن الحقيقة” كتبه مع الصحفي الفرنسي المقرّب منه فيليب رياس، ليقدم روايته الطويلة عن قصته، من دون أي نقد ذاتي أو كشف عن معلومات جديدة.
كما يشارك أيضا في وثائقي قيد الإعداد حول مسيرته، من المفترض أن يتحول الى مسلسل قصير عن حياته، ويبدأ تصويره العام المقبل.
ويرفض غصن باستمرار كشف تفاصيل هروبه الاستثنائي الذي أثار صدمة واسعة في اليابان وحول العالم.
ووافقت الولايات المتحدة نهاية أكتوبر على تسليم اليابان أميركيين يشتبه بأنهما ساعدا غصن على الفرار من طوكيو عبر تركيا، ومنها إلى لبنان.
ومن المتوقع أن يستمع فريق من قضاة التحقيق من المكتب المركزي لمكافحة الفساد والجرائم المالية والضريبية لغصن في الفترة الممتدة من 18 إلى 22 كانون الثاني في بيروت، كجزء من تحقيقين قضائيين بشأنه في فرنسا، وفق ما قالت مصادر مطلعة على الملف في باريس لوكالة فرانس برس.
وإلى جانب نفقات مشكوك بها تكبدتها شركة رينو والفرع الهولندي لشركة رينو-نيسان، فإن المحققين مهتمون أيضا بالاستماع إلى غصن في ما يتعلق بقضية التوطين الضريبي في هولندا حين كان رئيسا للتحالف.