كتب غسان ريفي في “سفير الشمال“: لا يزال الارتجال في القرارات المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا هي السمة الأساسية للدولة اللبنانية التي لم ترتق في تعاطيها مع هذا الملف الصحي الخطير الى مستوى المسؤولية الوطنية التي تحتم عليها إعتماد الحسم والحزم والجدية لتأمين شبكة الأمان الصحي للمواطنين الذين بات من المفترض بعد عام كامل أصيب فيه ما يقارب الـ 190 ألفا، وتوفي أكثر من ألف شخص أن يعوا خطورة الوضع، وأن يلتزموا بالاجراءات الوقائية المطلوبة، لكن “إذا كان رب البيت بالطبل ضارب فشيمة أهل البيت الرقص!”.
يمكن القول إن ما يحصل على صعيد إتخاذ قرار الاقفال التام بات أشبه بـ”المهزلة”، فالاقفال السابق لم يفض الى أي نتيجة إيجابية، بسبب الخروقات الكثيرة التي تفلتت من عقالها من دون حسيب أو رقيب، وبفعل الاستثناءات التي أعطتها وزارة الداخلية وأدت الى إختلاط الحابل بالنابل، فدفعت بعض القطاعات المنتجة ثمن إلتزامها فيما الشوارع كانت تكتظ بالسيارات التي ضرب أصحابها قرار “المجوز والمفرد” بعرض الحائط.
بعد إنتهاء فترة الاقفال، إستمر عدّاد الاصابات في الارتفاع، في ظل عجز كامل من الدولة عن إتخاذ قرار جريء، فأرخت المماطلة بثقلها على البلاد، من إنتظار عيديّ الميلاد ورأس السنة لكي يتسنى للمواطنين الاحتفال، الى السماح بإقامة الحفلات لمراعاة أصحاب الفنادق والمطاعم ومنحهم الفرصة لتعويض بعض خسائرهم، الى القرار الغريب بمنع الرقص في الباحات وإقتصاره جلوسا على الكراسي، فالقرار الأغرب بمنع الولوج والخروج من الشوارع إعتبارا من الساعة الثالثة فجرا ولغاية الخامسة فجرا وهو “لزوم ما لا يلزم”.
هذا الاستخفاف في إتخاذ القرارات وفي تطبيقها، أدى الى مزيد من تفشي الوباء والى إرتفاع مضطرد في عدد الاصابات الذي ضرب رقما قياسيا غير مسبوق ليلة رأس السنة مسجلا 3507 إصابات، ناهيك عن عدد الوفيات التي تتراوج ما بين 10 و15 حالة يوميا، كما أدى الى إنهاك القطاع الصحي الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من الضغط، خصوصا أن نسبة إشغال غرف العناية المركزة وصل الى ما يقارب 95 بالمئة، ما يعني أن الاستمرار على هذا النحو من التعاطي اللا مسؤول مع الوباء وتفشيه، سيجعل المصابين يموتون على أبواب المستشفيات أو في بيوتهم لعدم توفر سرير لهم في أي مستشفى، وذلك على غرار النموذج الأوروبي.
وبالرغم من كل ذلك، وبدل إعلان حالة الطوارئ العامة في أول يوم من العام الجديد، دخل الروتين المعهود على الخط فتم تحديد موعد لانعقاد مجلس الدفاع الأعلى يوم غد الثلاثاء لرفع إنهاء بالاقفال، على أن يترجم بعد عيد الميلاد لدى الطوائف الأرمنية للافساح في المجال أمام من يتبع هذا التقويم الاحتفال بالعيد والتعرض أكثر لخطر الاصابة بكورونا نتيجة الاختلاط، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن المهزلة التي تدار بها هذه الأزمة.
واللافت، أن الاقفال دخل بورصة المزايدات السياسية ومحاولات تسجيل النقاط والشعبوية، في حين أن الوضع لم يعد يحتمل أي ترف، فكورونا يتوحش، والاصابات تتزايد، والمستشفيات عاجزة والأسرة بكاملها مشغولة، والقطاع الصحي يكاد يسقط، ما يتطلب تدابير صارمة تمكن القطاع الصحي من “أخذ النفس” وترتيب أوضاعه للمراحل المقبلة.
تشير مصادر مواكبة الى أن الاقفال المنتظر من المفترض أن يكون شاملا وأن يكون منع التجول لوقت أطول، وباستثناءات ضيقة جدا، وأن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية تطبيقه، وأن تبادر الدولة فورا الى تأمين مساعدات مالية أو عينية للمواطنين، خصوصا أن أي قرار بالاقفال لا يقترن بالمساعدات المالية سيكون محكوما بالفشل، لأن الحجر والفقر لا يلتقيان.