يقول الكاتب داميان ليكاتا كاريسو في تقرير نشرته صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية (Le Parisien) إن أول عملة مشفرة ظهرت في عام 2009 سجلت رقما قياسيا، في ظل مناخ اقتصادي أثرت عليه الأزمة الصحية الناجمة عن وباء فيروس كورونا.
وكان الاستثمار في الملاذات الآمنة مثل الذهب فكرة مغرية، لكن كان هناك ميل آخر نحو عملة البتكوين التي عرفت قيمتها زيادة مذهلة، حيث وصلت في الأيام الأخيرة إلى أكثر من 40 ألف دولار تحت تأثير ارتفاع الطلب.
ومن الصعب البت بشكل قاطع فيما إذا كان ذلك طفرة مؤقتة أو ثورة مالية حقيقية، لأن هذه العملة الافتراضية عرفت تقلبات في تاريخها القصير شككت في قابليتها للاستمرار.
تضاعف البتكوين في 2020
حسب كاثرين كاساماتا، أستاذة المالية في كلية تولوز للاقتصاد “تصنع الندرة القيمة، ويعد إجمالي عروض عملة البتكوين المتداولة محددا بحوالي 21 مليون وحدة منذ تصميم النظام، وكما هو الحال مع أي أصل، يرتفع السعر عندما يزداد الطلب”.
لذلك، يجب البحث عن أسباب هذه المشتريات المفاجئة، وحسب تحليل إيف لوران كيان، رئيس “كوين بلوس”، وهي شركة ناشئة في لوكسمبورغ، “تمر عملة البتكوين بمراحل تطور كل 4 سنوات، وبعد أن عاشت المرحلة التنظيمية، دخلت في عام 2020 مرحلة اعتماد ضخمة”.
من ناحيتها، تقول كاثرين كاساماتا إن المزيد من الناس يقبلون على شراء البتكوين “لأن قيمة العملة مرتبطة بسهولة استخدامها وإجراء المزيد من عمليات الشراء بواسطتها”.
وهناك أيضا أطراف أخرى عززت القيمة بشكل غير مباشر، فعلى سبيل المثال، تقترح العديد من البنوك عبر الإنترنت استثمار المدخرات فيها.
وأطلق عملاق المدفوعات عبر الإنترنت “باي بال” (PayPal)، في تشرين الأول، خدمة شراء وبيع ودفع بواسطة العملات المشفرة، والذي سيضمن لمستخدميه البالغ عددهم 350 مليون وعشرات الملايين من التجار الشركاء تحويل مدفوعات من البيتكوين أو الإيثريوم (Ethereum) إلى العملة المحلية، مما سيجعل العملات الافتراضية أكثر شعبية بفضل الأسواق الحقيقية.
من يشتري البتكوين؟
انتشر استخدام البتكوين نسبيا مع ظهور منصات مخصصة مثل “بايمنيوم” (Paymium) أو “كوين هاوس” (Coinhouse) في فرنسا، كما أقبل عليها أيضا المستثمرون الأفراد، تماما مثل ما حدث بالفعل في عام 2018 قبل انهيار السعر، ويشتري هؤلاء في الغالب كميات صغيرة وأقسام البتكوين المسماة بالساتوشي، ويتطلب الأمر 100 مليون ساتوشي للحصول على بتكوين.
وسجلت البتكوين أرقاما قياسية في نهاية عام 2020، ويبدو أن العملة المشفرة قد تخلصت جزئيا من التعريف الذي لطالما اعتبرها وسيلة لخلاص المنتجات غير القانونية على شبكة الإنترنت المظلمة.
لكن النشاط بكميات كبيرة يعتبر مدعوما بشكل أساسي بمؤسسات مثل الصناديق الأميركية أو البريطانية، وقال إيف لوران كيان إن تلك الجهات “تشترى بكثافة في الوقت الحالي، لأنها تخشى التخلف عن الركب”.
هل ستنفجر الفقاعة؟
ينقل الكاتب عن كاثرين كاساماتا أن هناك تقلبا -كما هو الحال مع أي عملة أخرى- لأن قيمتها نقدية فقط، ولا وجود لقيمة استخدام، إذ لا يمكن استهلاك البتكوين، ويعتمد سعر هذه العملة على قيمتها المستقبلية، وعلى احتمال حظرها من قبل الدول وعلى التجار الذين سيتقبلونها كوسيلة للدفع، ومن الصعب التكهن بمستقبلها”.
وأوضح نايجل غرين، رئيس شركة ديفير للاستشارات المالية في نهاية شهر كانون الأول أنه “علينا الآن التعامل مع البتكوين مثل أي استثمار، أي بيعها عندما تكون باهظة الثمن وإعادة شرائها عندما تنخفض الأسعار”.
وبدلا من الانخفاض الحاد في الأسعار كما حدث في 2018، يتوقع المحللون حدوث تصحيح، وقال فؤاد رزاق زاده المحلل في شركة “ثينك ماركتس” إنه “مع أداء مماثل للذي ظهر في الآونة الأخيرة سيرغب كثير من المستثمرين والمضاربين في جني أرباحهم عند ظهور أولى علامة ضعف”.
ويصف الكاتب هذا التصرف بالطبيعي، فهو يعزز فكرة وجود عملة يقع إضفاء الطابع المؤسسي عليها بشكل متزايد ومنخرطة جزئيا في الاقتصاد، مع الاحتفاظ بأصالتها وطابعها اللامركزي.