المشهد الإيطالي بدأ يفرض نفسه في لبنان. فبعد سيارات المصابين بالكورونا، والتي ارتفع ضجيجها، على باب الطوارئ في مستشفى النبطية جنوب لبنان، بسبب عدم وجود أسرّة لهم، وصلت مشاهد مهولة من مستشفى البوار في جبيل، شمالاً، أظهرت المرضى وهم ينتظرون أيضاً على باب المستشفى.
وقد أكّد الأمين العام للصليب الأحمر جورح كتانة في إطلالة متلفزة، صحّة هذه المشاهد بقوله إنّ “المستشفيات لا تستقبل المرضى”، بل وأكثر، أنّ إدارات هذه المستشفيات تلجأ إلى حيل لتفادي استقبال المرضى، بأن “تنفي تلقيها اتصالاً من الصليب الأحمر بخصوص نقل المرضى”.
كلام كتانة ليس من الأوّل من نوعه، إذ سبق وحذرنا قبل أيّام من أنّ بعض المستشفيات باتت تستقبل المرضى من الشباب وترفض استقبال الأكبر سنّاً.
الواقع الاستشفائي الكارثي اللبناني لم يتوقف هنا. فها هي الأنباء تتحدث عن جثة عاملة أجنبية بقيت 3 أيام في الشارع لأنّ برادات المستشفيات فوّلت أيضاً، ما استدعى تدخّل القضاء لإجبار مستشفى في المنطقة على استقبال الجثة.
“الأمور في لبنان خرجت عن السيطرة”، هذا هو مختصر ما شاهدناه مؤخراً، ومختصر التصريحات التي خرج بها العاملون في القطاع الطبي في الساعات الـ48 الأخيرة
إذاً من يموتون على أبواب المستشفيات في لبنان سيبقون جثثاً في العراء، في ظلّ الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه تحت عنوان “إقفال الاستثناءات”، حيث الإقفال حتى الآن ليس تاماً ولا جديّاً.
ببساطة: “الأمور في لبنان خرجت عن السيطرة”، هذا هو مختصر ما شاهدناه مؤخراً، ومختصر التصريحات التي خرج بها العاملون في القطاع الطبي في الساعات الـ48 الأخيرة. والتناقض بين توصيات وزارة الصحة وقرارات حكومة تصريف الأعمال باتت فاتورته باهظة، يدفعها مواطن “بلا وعي”، كان يستجم أمس على شاطئ بجبيل، لكن مرتدياً “الكمامة”!
إلى ذلك، فإنّ “إقفال الاستثناءات”، لم يأتِ إلاّ بكوارث، ولم يتنفّس القطاع الصحّي كما كان يُراد له إنّما اختنق أكثر، ولم يعد بإمكان العاملين في هذا القطاع إخفاء الخوف من سيناريو لبناني يتخطّى كل ما سمعناه عن ويلات كورونا في إيطاليا أو نيويورك.
فها هو مدير العناية في وزارة الصحة جوزيف الحلو يخرج علينا باكياً، ومدير مستشفى رفيق الحريري الدكتور فراس الأبيض يغرّد وبكل صراحة محذّراً من “الهاوية”.
ولكن كلّ ما سبق لا يهم حكومة “التخبّط”. فابتداء من يوم الثلاثاء ستنعم الفانات باستثناء يضاف إلى لائحة طويلة سابقة من الاستثناءات.
الواقع الصحّي الذي وصل إليه لبنان، دفع الرئيس ميشال عون إلى دعوة المجلس الأعلى للدفاع إلى اجتماع استثنائي بعد ظهر اليوم للبحث في الوضع الصحي وواقع القطاع الاستشفائي في البلاد.
تؤكد مصادر طبية لـ”أساس”، أنّ الأدوية التي يتم إعطاؤها لمرضى الكورونا بدأت تنفد من الصيدليات، مثل “ريمديسيفير”، والوضع ليس بأفضل أحواله. فحتى دواء البندول لم يعد متوفراً في لبنان
رئيس لجنة الصحية النيابية النائب عاصم عراجي يدعو لإقفال تامّ بلا استثنائات. ويؤكّد لـ”أساس” أنّ “الإقفال الذي شهدناه حتى اليوم ليس جدياً. الناس لا يلتزمون، وهناك من ينزلون من بيوتهم للذهاب إلى البحر، فضلا عن التجمعات. كما أنّ قرار الإقفال لا يطبّق في المناطق والإصابات ترتفع. لذلك أنا أدعو لإقفال كامل”.
وفيما يتوقع عراجي أن يذهب المجلس الأعلى للدفاع الذي سينعقد اليوم إلى الإقفال الكامل بعد المناشدات التي خرجت مؤخراً، يدعو في المقابل إلى تقيمم الوضع: “يجب أن يتزامن الإقفال مع مساعدات للأسر المحتاجة في أسرع وقت”.
ويوضح عراجي أنّ الوضع الاستشفائي أصبح مأساوياً: “القدرة الاستيعابية امتلأت 100% في المستشفيات. والصليب الأحمر يدور من مكان إلى آخر بحثاً عن سرير للمرضى. والمستشفيات الخاصة الـ67 التي وعدت بالعمل على فتح أسرّة لمرضى الكورونا لم تلتزم حتّى الآن بشكل كلي. هناك مستشفيات خاصة قامت بجهد كبير في مجال الكورونا وهناك مستشفيات أخرى تحتاج إلى أموال من الدولة كي لا يبقى لها حجّة عدم العمل”.
مصادر وزارة الصحة تعرب في حديث لـ”أساس” عن تخوّفها من تزايد ارتفاع عداد الإصابات، مؤكدة أنّ الوزارة في حال استمرار الوضع بهذه الوتيرة ستدعو إلى إقفال تام. المصادر نفسها تشدد على أنّ الوزارة طالبت بهذا الإقفال قبل عيدي الميلاد ورأس السنة، كي لا نصل إلى ما نحن فيه اليوم.
أما عن الاستثناءات التي شملها الإقفال فتقول المصادر بصراحة: “هذه القرارات ليست مسؤوليتنا. ما طرحناه نحن كان أقرب إلى الإقفال التام، لكنّ الحكومة لا تستطيع أن تساعد في الوضع الاقتصادي السيء، فتحاول الموازنة بين الصحّة والاقتصاد، وهذا الموضوع برسمهم لا برسمنا نحن في وزارة الصحة”.
الأزمة لم تتوقف هنا، إذ تؤكد مصادر طبية لـ”أساس”، أنّ الأدوية التي يتم إعطاؤها لمرضى الكورونا بدأت تنفد من الصيدليات، مثل “ريمديسيفير”، وتضيف المصادر: “الوضع ليس بأفضل أحواله. فحتى دواء البندول لم يعد متوفراً في لبنان”.
“أساس” وفي جولة على عدد من الصيدليات لاستطلاع هذا النقص، حصل على إجابة واحدة مشتركة، وهي أنّ “الحديث عن فقدان الدواء مبالغ به”. هذا ما يقوله أصحاب الصيدليات، ويوضح هؤلاء نقاطاً عدّة أدّت إلى تمظهر الأزمة بهذا الشكل، أوّلها: “إصرار المواطن على أخذ الدواء الـ”براند” ورفض أخذ “الجينيريك”، فكلّ دواء موجود في السوق هناك أكثر من بديل له، والتركيبة نفسها”.
أما النقطة الثانية فهي التخزين، خصوصاً فيما يتعلق بدواء “ريمديسيفير”، الذي يُعطى للمرضى في المستشفيات وتحت إشراف طبي. يدعو أصحاب الصيدليات المواطنين إلى التوقف عن تخزين الأدوية: “فأيّ دواء لا يجدونه اليوم في الصيدليات سيتوفّر مجدداً في أيام معدودة”.
أما عن السبب الأساسي لهذه الأزمة، فيعود إلى أنّ مصرف لبنان يُلزم شركات الدواء على الاستيراد وفقاً لأرقام العام الماضي، فتحصل الصيدليات على الدواء نسبة لما استوردته خلال السنوات السابقة لا نسبة إلى الحاجة المستجدّة. غير أنّ أصحاب الصيدليات يؤكدون أنّ هذا الأمر لا يعني اختفاء الدواء تماماً من السوق. فعدم توفّر الدواء يكون لمدّة محدودة قبل استيراده مجدداً، إضافة إلى توفّر البدائل التي تعود بالفائدة نفسها على المريض.