سيكون صعبا على إدارة جو بايدن لملمة أوضاع الشرق الأوسط والخليج في ظلّ إصرار إيران على لعب دور مهيمن في المنطقة من جهة والدفاع عن مشروعها التوسّعي من جهة أخرى.
أخذ المشروع الإيراني أبعاداً جديدة بعدما تبيّن أنّ إسرائيل تشعر أنّ لدى “الجمهورية الإسلامية” ما يكفي من الأوراق التي تجعل الوقت يعمل في غير مصلحتها.
استطاعت إيران جعل إسرائيل في وضع لا تحسد عليه وإجبارها على اتخاذ قرارات كبيرة في مرحلة قريبة وخطيرة في شأن كيفية التعاطي مع إيران وأدواتها في المنطقة.
يعود ذلك إلى ثلاثة أسباب على الأقلّ.
– أوّل الاسباب الصواريخ الباليستية والمجنّحة الإيرانية التي باتت تمتلك دقّة كبيرة.
– وثانيها برنامجها النووي.
– وثالثها ميليشياتها المنتشرة في كلّ انحاء المنطقة، بما في ذلك لبنان وسوريا.
باختصار شديد، تبدو المنطقة مقبلة على عاصفة بوجود إدارة أميركية جديدة حائرة تختلف إلى حدّ ما عن إدارة دونالد ترامب التي لم ترفض لإسرائيل طلباً في يوم من الأيّام.
يعبّر عن هذه الحيرة كلام وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن عن قرب امتلاك إيران القدرة على حيازة سلاح نووي من دون تحديد كيفية مواجهة هذا الاحتمال.
أخذ المشروع الإيراني أبعاداً جديدة بعدما تبيّن أنّ إسرائيل تشعر أنّ لدى “الجمهورية الإسلامية” ما يكفي من الأوراق التي تجعل الوقت يعمل في غير مصلحتها
هل يمهّد بلينكن لقبول أميركا بالعودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي مع إيران في اطار شروطها… أم أنّه يحذر من النتائج التي ستترتب على مثل هذا التطوّر؟
ترك وزير الخارجية الجديد الباب مفتوحاً أمام كلّ الاحتمالات في وقت تزداد حدّة التوتر في داخل إسرائيل.
مؤسف أنّه ليس في لبنان على مستوى القيادة من يستوعب عمق الأزمة المصيرية التي يعاني منها البلد المفلس، فضلاً عمّا يدور في المنطقة وفي العالم.
على العكس من ذلك، هناك فراغ على أعلى المستويات وتجاهل للأزمة تعبّر عنهما تصرّفات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يعرقل تشكيل حكومة، يمكن أن تساعد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه لبنانياً.
يفعل ميشال عون ذلك من أجل إنقاذ المستقبل السياسي لصهره جبران باسيل، وهو مستقبل لا يوجد من يمكنه إنقاذه، لا لشيء سوى لأنّ الرجل لا يمتلك أصلاً أيّ مستقبل.
في ظلّ هذا الفراغ اللبناني الذي يكشفه وجود ميشال عون في قصر بعبدا، فيما نسيب لحّود الذي تمرّ هذه الأيآم الذكرى التاسعة لغيابه في القبر، يزداد الخوف على لبنان كما يتأكّد كم أنّ البلد ملعون.
يزداد الخوف من دخول لبنان في مرحلة ما بعد الانهيار.
تعطي الأحداث الأخيرة التي شهدتها طرابلس قبل نحو أسبوع فكرة عمّا يمكن أن تكون عليه مرحلة ما بعد الانهيار وعن الفراغ اللبناني على كلّ المستويات في الوقت ذاته.
لم يعد سرّاً أنّ إسرائيل ستقدم على خطوة ما قريباً. ليست معروفة طبيعة هذه الخطوة، لكنّ التصريحات الأخيرة لرئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي كانت خارجة عن المألوف بعد توجيهه رسالة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، بمعنى أنّ لإسرائيل حسابات خاصة بها، أي أنّ ما تواجهه إيرانياً مسألة حياة أو موت بالنسبة اليها.
فحوى الرسالة غير المعتادة وذات الطابع الفجّ والتي تتضمن نوعاً من التحذير إلى واشنطن، أنّ إسرائيل بدأت تعدّ خططاً عسكرية لمواجهة إيران وأنّ أي عودة إلى الاتفاق النووي مع “الجمهورية الإسلامية” للعام 2015، ستكون بمثابة “خطأ” ترتكبه أميركا.
لم يسبق ان تجرّأ رئيس للأركان في إسرائيل على قول مثل هذا النوع من الكلام الموجه إلى واشنطن.
لم يكن ممكناً صدور مثل هذا الكلام عن رئيس الأركان لولا تغطية من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.
مؤسف أنّه ليس في لبنان على مستوى القيادة من يستوعب عمق الأزمة المصيرية التي يعاني منها البلد المفلس، فضلاً عمّا يدور في المنطقة وفي العالم
يحدث ذلك كلّه في وقت انتقلت إسرائيل إلى مظلة القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) بعدما كانت تحت مظلة القيادة الأوروبية.
كذلك، جاء كلام كوخافي في وقت تلعب إيران ورقة مستقبل النظام فيها بعد رهانها على أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية سيمهّد لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب عليها.
تلقي إيران في الوقت الراهن بكلّ أوراقها دفعة واحدة، إن في العراق أو في سوريا أو في لبنان أو في اليمن.
أقلّ ما يمكن قوله في ضوء كلّ ما تشهده المنطقة ومعها العالم من تعقيدات أنّ لبنان ليس في وضع يسمح له بأن يكون همّ رئيس الجمهورية فيه محصوراً في مستقبل شخص لا مستقبل له.
ليس لدى جبران باسيل من رصيد سوى رهانه الناجح على أنّ “حزب الله” سيوصل ميشال عون إلى موقع رئاسة الجمهورية في مقابل التغطية المسيحية لسلاحه وارتكاباته التي لا يحصى عددها منذ اغتيال رفيق الحريري في مثل هذه الأيّام من العام 2005… وقبل ذلك.
بعيداً من الحسابات الصغيرة والتافهة يفترض البحث عن طريقة كي يخرج لبنان من الأزمة التي وجد نفسه فيها.
تكمن المشكلة في غياب من يستوعب معنى انهيار الركيزة الأساسية للسلطة التنفيذية من جهة وما يمرّ فيه الإقليم والعالم من جهة أخرى.
استطاع ميشال عون بتجميده تشكيل حكومة إلغاء مؤسسة مجلس الوزراء ورئيس مجلس الوزراء في الوقت ذاته.
كلّ هدفه، إضافة إلى ضمان المستقبل السياسي لجبران باسيل، التخلّص من سعد الحريري كرئيس مكلف تشكيل حكومة.
ليس معروفاً بعد هل هناك قوّة ستمكّن البلد من التقاط أنفاسه على الرغم من كل ما يشاع عن تفاهمات أميركية – فرنسية في هذا الصدد؟
أسئلة كثيرة ستطرح نفسها قريباً. سيكون محور هذه الأسئلة مستقبل لبنان المصرّ على أن يكون، أو الذي فرض عليه أن يكون، بمسيحييه ومسلميه، جزءاَ من التركيبة الإيرانية في المنطقة.
أي ثمن سيدفعه في ضوء خيار يرمز إليه وجود ميشال عون في قصر بعبدا؟ هو خيار لا يمكن أن يخرج البلد منه رابحاً..