كتب جورج شاهين في “الجمهورية“: قبل الاعلان عن الزيارة المفاجئة للديبلوماسي القطري الى بيروت بفترة طويلة، لم تُذكَر الدوحة على لائحة الدول المتعاونة مع المبادرة الفرنسية، على غرار الإمارات العربية المتحدة ومصر، ولم تُدرَج على لائحة الدول الداعمة لإحياء المبادرة الفرنسية بنسختها الجديدة، تجاه الأزمة اللبنانية. فبعد ستة أشهر على اطلاق هذه المبادرة، توسعت رقعة الاهتمام ومعها الدعم الغربي والعربي لها، كما في الولايات المتحدة الاميركية، إثر انتهاء الفترة الانتقالية التي عاشتها الإدارة الاميركية بين عهدين، وتسلّم الرئيس الديموقراطي جو بايدن مهماته في البيت الابيض في العشرين من كانون الثاني الماضي، وتجدّد الاتصالات بين واشنطن وباريس.
إلّا انّه وفي ظلّ هذه الصورة الواضحة التي لا تحمل أي لبس، أُعلن عن زيارة المسؤول القطري بفارق ساعات عن موعدها ومن دون اي تفاصيل، حتى في عهدة الدوائر المعنية في لبنان، في قصر بعبدا كما في عين التينة والسرايا الحكومية. وهو ما سمح ببناء بعض التوقعات غير المبنية على اي معطى، الى ان جاءت الزيارة القصيرة والسريعة، بكل ما رافقها من لقاءات لدقائق معدودة مع المسؤولين الكبار، فلم ينتج منها سوى التذكير بما قدّمته قطر من مساعدات فورية لمواجهة كورونا وتداعيات انفجار المرفأ.
فقد اعتبرت مصادر مطلعة على ما دار في الاجتماعات المقفلة، انّ ما قاله الوزير القطري في مؤتمره الصحافي من منصّة بعبدا، فاض عمّا قاله خلالها. فهو لم يدخل في كثير من التفاصيل، وقارب الملفات المطروحة بعناوينها الكبرى سياسياً واقتصادياً ومالياً، ورهن ما يمكن ان تقوم به دولته في المرحلة التي تلي تشكيل الحكومة الجديدة. كما انّه ربط مسبقاً بين اي هبة او مساعدة قطرية، خارج ما قدّمته من مستشفيات ميدانية وتعهدات بإعادة بناء مستشفى الكرنتينا الحكومي وترميم عدد من المدارس والمستشفيات الخاصة، في نطاق ما دمّره انفجار المرفأ، وفي مواجهة جائحة كورونا، بآلية جديدة للعمل في لبنان، خارج اطار سياسة المكرّمات والودائع المالية التي يمكن ان تُستثمر في غير اهدافها وهدر اموالها، في مسارات يعرفها القطريون ومعهم الدول والمؤسسات المانحة التي فضّلت التعاطي حتى في الجوانب الانسانية من الأزمة، مع الجيش اللبناني والصليب الاحمر وهيئات المجتمع المدني، بآلية صارمة من المراقبة والتشدّد في طريقة صرف الاموال، للتأكّد من وصولها الى من يستحقها.
على هذه الخلفيات، عبرت الزيارة القطرية كـ “نسمة” ديبلوماسية وسياسية لا يُبنى عليها في السياسة الآنية كثيراً، لكن معانيها البعيدة المدى كادت تنضح بعدم ثقة الدوحة بالسلطة واركانها في لبنان، وهي ما زالت في مرحلة ترميم علاقاتها بجيرانها الاربعة، ولا تريد التوسع مجدّداً في الازمات الدولية، من دون ان تلغي حضورها السياسي والديبلوماسي ولو بنحو عابر.