كانت تلك الفترة تُعرف بالفترة الذهبية التي عاشها اللبنانيون، حيث كان التوازن سيدًّا في موازين الحركة الإقتصادية المتوازية بين السياحة والتجارة والعمران والإنماء والصناعة والزراعة، وكان للطبقة الوسطى، التي كانت هي الغالبة، دور مهم في عملية الإزدهار الإقتصادي والمالي، مع ما أفسحته النهضة العمرانية والإنشائية في منطقة الخليج العربي لكثير من اللبنانيين، من الذين ساهموا فيها ، من جني ثروات طائلة إستخدم معظمها في دفع الحركة الإقتصادية في لبنان، حيث كان المجال متاحًا لتشجيع الإستثمارات في مجالات كثيرة، وأهمها الحركة العمرانية، فتحوّل لبنان إلى ورشة إعمارية لم يكن لها مثيل في المنطقة كلها، وذلك قبل أن تحّل عليه لعنة الحرب البغيضة التي دمرّت الحجر والبشر.
ومما لا شك فيه أن حركة الإستثمارات التي اطلقها اللبنانيون، الذين أنعم الله عليهم بالخيرات، ساهمت في رفع نسبة التوظيفات في مختلف المجالات، فعاش الجميع في بحبوحة مقبولة نسبيًا، يضاف إليها المساعدات التي كان يقدّمها هؤلاء المنعم عليهم على الطبقات المهمشّة، وكانت لمساهماتهم سندًا لهم في سدّ بعض حاجياتهم الضرورية.
وادى عجز الدولة عن تأمين كافة مستلزمات الحياة الكريمة لفئة لا بأس بها من اللبنانيين، الى ان تغزوهم أفكار وأيديولوجيات غريبة عن العادات اللبنانية، صورّت لهم الطبقة الميسورة على غير حقيقتها، وغذّتهم بآراء مستوردة مسمومة جعلت من الطبقية نهجًا أثرّ على العلاقة المتوازنة القائمة على المبادرات الفردية التي أحدثت الفرق في نوعية الحياة اللبنانية الرغيدة، حتى بين الفئات التي كانت تُسمّى مهمشة، والتي إستغلت من قبل بعض الجهات لغايات تكشّفت في ما بعد عندما صوبت السهام في إتجاه تلك الفئة من اللبنانيين، الذين بفضلهم وفضل مبادراتهم كان الإزدهار والعمران، اللذين إنعكسا لاحقًا على الحركة الثقافية والنهضة الفكرية، وعلى الصحافة اللبنانية المكتوبة التي إحتلت مركزًا متقدّمًا في المنطقة وعاشت أيامها الذهبية بفضل ما تمتع به لبنان من حرية فكرية، حيث لمع صحافيون كان لهم تأثيرهم المباشر على حركة التحرر في دول المنطقة.
لكن هذه الأجواء التي عاشها لبنان لم يرد بعض الحاقدين لها أن تدوم، فنجحت تلك الطبقة المتأثرة بثورات مستوردة في تصوير تلك الفئة من اللبنانيين، الذين عرف لبنان الإزدهار على ايديهم وعلى مبادراتهم الفردية الخلاقة، على أنها أكلت الأخضر واليابس، وألصقت بهم تهما هم برّاء منها، جعلت من النعمة نقمة، حيث إضطرّ البعض منهم إلى وقف نشاطاته الإقتصادية، مما أثرّ سلبًا على حركة التوظيفات وعلى مستوى المساعدات الإنسانية والإجتماعية، الأمر الذي دفع إلى تقلص الطبقة المتوسطة، خصوصًا مع عدم وضوح الرؤية الإقتصادية لدى المسؤولين اللبنانيين، فحلّ الفساد مكان الإنماء والمشاريع العمرانية والإنشائية، وتراجعت نسبة النمو والناتج المحلي، ليحل مكانهما اليأس وقلة المشاريع الإستثمارية وإنعدام فرص العمل وتكاثر هجرة الشباب اللبناني الساعي إلى عمل خارج الحدود.