كتب رضا صوايا في “الأخبار”: «نحاس، حديد، ألومنيوم، بطاريات…»، نداء يصدح به شبان متجوّلون سيراً أو في سيارات «بيك أب» أو عربات «توك توك»، في شوارع المدن والبلدات، ويصل صداه إلى… اليابان. أكوام من كل ما نعتقد أنه لا يلزم من أدوات كهربائية قديمة وبطاريات وأثاث، تشكّل قطاعاً اقتصادياً تعمل فيه شركات عملاقة وتجار وأصحاب «بُور» للتجميع والفرز… وأطفال.
تهيمن على هذه التجارة شركات كبيرة تمتلك مستودعات ضخمة ومعدات حديثة، ولها صلات قوية مع مستوردين في الخارج، خصوصاً في دول كاليابان وتركيا ومصر واليونان وغيرها. وهي تحصل على «بضائعها» من مؤسسات رسميّة وخاصة، كالجيش ومؤسسة كهرباء لبنان وغيرهما، عبر عقود تجارية لتزويدها بالخردة التي لم تعد هذه المؤسسات تحتاج إليها. وأيضاً من مئات الـ«بُوَر» التي تنتشر في مختلف المناطق (للشمال وطرابلس حصة الأسد منها)، تُجمع فيها الخردة من حديد وألومنيوم ونحاس وكل ما يتوفر ويُعمل على فرزها . تقليدياً، يصبّ عمل أصحاب الـ «بُوَر» الصغيرة في مستودعات «الحيتان» الكبرى. وهم يستخدمون أساليب شبه بدائية للفرز، ويوظفون آلاف العمال (من بينهم أطفال دون السن القانونية) لا يتمتعون بأي حماية رغم المخاطر التي تحيط بهذا النوع من الأعمال (كالانفجار الذي وقع قبل أسبوعين وأودى بحياة شخص في «بورة» للخردة في طرابلس).
الانهيار الاقتصادي الذي يشهده لبنان أدخل «لاعبين» جدداً إلى هذه التجارة التي أصبحت تدرّ «ذهباً». «الخردة باتت تستقطب الجميع، رجالاً ونساء ومراهقين وأطفالاً، وحتى طلاباً جامعيين وموظفين من شرائح اجتماعيّة متوسطة، يجدون فيها مورد رزق إضافياً بعدما تدهورت قيمة مداخيلهم»، وفق ما يؤكد عاملون في هذا المجال.
وقد انتشرت تجارة الخردة في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية وبعدها، وشكّلت في السنوات الأخيرة واحداً من أبرز القطاعات التي تدرّ دولارات على البلد. إذ تشير الإحصاءات إلى أن حجم صادرات لبنان من الخردة بلغ في العقد الأخير نحو 2.3 مليار دولار موزّعة كالآتي: 1.05 مليار دولار خردة حديد، 997 مليون دولار خردة نحاس، 257 مليون دولار خردة ألومنيوم، 3 ملايين دولار خردة زينك ومليون دولار خردة رصاص.
ويوضح الباحث في الشؤون الإحصائية عباس طفيلي أن لبنان صدّر العام الماضي خردة نحاس بقيمة 63.81 مليون دولار، وخردة حديد بقيمة 83.56 مليون دولار. واللافت أن صادرات خردة الحديد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً بين عامَي 2019 (67.77 مليون دولار) و 2020 يُقدر بحوالى 16 مليون دولار. وتأتي اليابان على رأس الدول التي استوردت خردة نحاس من لبنان العام الماضي (22.19 مليون دولار)، تليها اليونان (12.91 مليون دولار). وقد ارتفعت الصادرات إلى اليابان بما يقارب الضعف خلال عام، من 12.77 مليون دولار عام 2019 إلى أكثر من خمسة وعشرين مليون دولار خلال عام 2020. أما أبرز مستوردي خردة الحديد من لبنان فهو اليونان التي ارتفعت وارداتها من 39.02 مليون دولار عام 2019 إلى 50.88 مليون دولار عام 2020.