“إسمحوا لي بداية أن أثني على جهود المنظمين الذين عقدوا العزم على إقامة هذا المؤتمر رغم حالة انعدام اليقين المخيمة على العالم بأسره.
تزداد صعوبة هذه الظروف بصفة خاصة بالنسبة إلى لبنان والنازحين السوريين، حيث أننا “جميعا في نفس القارب”، نحاول الصمود في وجه العاصفة التي يواجهها لبنان الذي يشهد أزمة غير مسبوقة ومتزامنة وحادة؛ وقد تفاقمت بسبب تفشي جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت المأسوي وما أعقب ذلك من تداعيات زادت من محنة الشعب اللبناني المؤلمة، فضلا عن استمرار معاناة الشعب السوري.
من هنا، ألفت عنايتكم إلى بعض النقاط التي أشاركها معكم، ملتمسا مساعدتكم على تحقيق الاستقرار.
أولا: لا يخفى عليكم أن العاملين الرسميين مرهقون ومستنزفون. وعليه، ينبغي إعادة النظر دوريا في العلاقة الثلاثية التي تربط الإدارات العامة بالمجتمعات المُضيفة وبالنازحين السوريين في معرِض السعي إلى الارتقاء بالخدمات النوعية والكمية المقدمة، كي لا يبقى فقير أو مستضعف متخلفا عن الركب.
ثانيا : في 14 شباط/فبراير 2021، أطلقنا خطة التلقيح الوطنية ضد فيروس كورونا المستجد، التي تهدف إلى تلقيح حوالي 6.8 مليون شخص بين لبناني وأجنبي، بما في ذلك النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. ونتطلع إلى ضمان الوصول السريع والعادل إلى مزيد من اللقاحات الآمنة والفعالة عن طريق الآليات الخاصة التي تتبعونها.
ثالثا : يكتسي تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي أهمية قصوى في بلد يستمر فيه الفقر بالتفاقم، إذ يطال نحو 60 في المائة من اللبنانيين الذين يعيش نحو 25 في المائة منهم في الفقر الشديد، مع خشية أن يغدو اللبنانيون في حالة مشتركة من الفقر المدقع مع غالبية النازحين السوريين، في حال استمر لبنان في مساره الانحداري نحو الهاوية.
رابعا : يشكل التوتر القائم بين المجتمعات اللبنانية والنازحين السوريين في جميع أنحاء لبنان أولوية أخرى ينبغي معالجتها.
على الرغم من الحوادث المبلغ عنها والتي آمل أن تظل متفرقة، يواصل لبنان توفير ملاذ للنازحين السوريين ويبدي تضامنا معهم وعناية بهم. ومع ذلك، فإن إقامتهم في لبنان موقتة ولا ينبغي أن تفسَّر تحت أي ظرف من الظروف على أنها اندماج محلي، فهذا “قرار سيادي” و “عمل عائد للدول” وفقا لما خلصت إليه اللجنة التنفيذية لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين عام 2005. وعلاوة على ذلك، فإن التوطين مخالف للدستور اللبناني.
السيد الرئيس،
بعد مرور عشر سنوات على الصراع السوري، فإن آفاق الحل السياسي ليست مشجعة للأسف، في حين أن المشاكل المختلفة التي يعانيها السوريون والمجتمعات المضيفة لا تزال ملحة.
بالفعل، في لبنان، يرخي النزوح السوري بأعداد كبيرة بثقله على الاقتصاد اللبناني، وقد بلغت كلفته على بلدنا نحو 46.5 مليار دولار حسب تقديرات وزارة المالية للفترة الممتدة بين عامي 2011 و2018. كما أنه لا ينفك يؤثر على النسيج الاجتماعي للبنان. لذلك، على ضوء الوضع السياسي الراهن وتداعياته على لبنان، نعتقد أنه يتعين منح خطة الحكومة اللبنانية لعودة النازحين السوريين بشكل تدريجي، التي أقرت في14 تموز/ يوليو 2020، فرصة تحقيق هدفها بمساعدة المجتمع الدولي.
في الواقع، تسعى هذه الخطة إلى طمأنة اللبنانيين القلقين بشأن توطين السوريين في بلادهم من جهة، وإلى الاستجابة لتطلعات 89 في المائة من النازحين الذين “لا يزالون يتوقون للعودة إلى ديارهم” وفقا للمسح الذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في أيار/مايو 2019 من جهة أخرى.
وتقوم الخطة على مجموعة من المبادئ:
1) عدم ربط عودتهم بالحل السياسي.
2) احترام حقوق الإنسان ومبدأ عدم الإعادة القسرية.
3) ضمان العودة الكريمة والآمنة وغير القسرية للنازحين السوريين إلى وجهات آمنة في سوريا.
يحدونا الأمل في أن تحقق الجهود التي تقودها الأمم المتحدة والتفاهم المشترك بين الأطراف المعنية تقدما هاما في شأن حل النزاع السوري الذي طال أمده.
في الختام، وصفت استضافة لبنان للنازحين السوريين بـ”الاستثنائية” و”السخية للغاية” و”غير المسبوقة”. وما كان ذلك ليتحقق لولا مساعدة الشعب اللبناني. وأنتهزها فرصة لأحيي الشعب اللبناني على قدرته الهائلة على الصمود وعلى حسن الضيافة المعهودة التي تخطت حدود الممكن، في الوقت الذي يعاني فيه ظروفا معيشية شاقة وصعوبات كبيرة، مما يدل على عظمة إيمانه بقيمة الإنسان. هؤلاء اللبنانيون العظماء يستحقون دعما قيما من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي الممثل ههنا والذي أعر عن خالص امتناني له”.