الـ”توك توك” ينتشر في لبنان.. على خطى الممانعة؟

10 أبريل 2021
الـ”توك توك” ينتشر في لبنان.. على خطى الممانعة؟
beirut News
نسرين مرعب

دخل لبنان في زمن الـ”توك توك”، وهو اسم العربة التي تسير على ثلاثة دواليب، في الأزقّة و”الحواري” الضيّقة، والمناطق الشعبيّة.

غالباً ما رأيناها في الأفلام المصرية، مع فقراء “الحواري”. لكنّها ستتحوّل إلى رمز من رموز “محور الفقر” من العراق إلى سوريا ولبنان.

فقد بدأ الـ”توك توك” في الانتشار بين هذه الدول كوسيلة نقل آخذة في التوسّع. ولبنان الذي كان يشتهر سكّانه بشراء السيارات الجديدة، بالقروض المصرفية الميسّرة، بات يشهد بيع سيّارة واحدة يومياً، مقارنةً بـ31 سيارة يومياً العام الماضي (2020)، و60 سيارة يومياً في 2019.

ومع ارتفاع أسعار قطع الغيار، لأنّها مستوردة بالدولار، الذي يرتفع بسرعة فوق 12 ألف ليرة مؤخّراً، ومع الأخبار عن رفع الدعم عن البنزين، الذي قد تصل صفيحته إلى 100 ألف ليرة، فإنّ “الحفاظ” على السيارات سيكون صعباً، وليس فقط شراءها.

ولذا قد يكون الـ”توك توك”، الذي يتّسع لثلاثة ركّاب أو أربعة، هو البديل في السنوات المقبلة.

ما هو الـ”توك توك”؟

تعتبر هذه العربة تاريخياً تطوّراً لمركبة “الرياكشة” اليابانية، لكنّها اليوم ذات دلالالة سيّئة، إذ تشير إلى تهاوي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث تنتشر.

والـ”توك توك” في طريقه ليصير ظاهرة لبنانية، بعد رحلةً لتجديد سيارات الأجرة تزامنت مع دخول شركات عدّة المجال، أبرزها: “أوبر” و”كريم”، ها هم مواطنوه اليوم يبحثون عن سيارة “توك توك” تُستعمل كآلية نقل أو “كشكاً” لبيع القهوة والمأكولات السريعة، أو للديليفيري.

مع العلم أنّ استعمالات هذه العربة في لبنان محدودة، لأنّها لا تزال تُصنّف كدراجة نارية وليس كسيارة أجرة بعد.

ولا تنحصر هذه الأزمة في لبنان، فقد عرفت في الأعوام القليلة الماضية طريقها إلى شوارع بغداد ودمشق.

وليست مصادفة أن تكون العواصم الـ3، ضمن قائمة العواصم الـ4 التي تفاخر إيران بوضع اليد عليها، إلى جانب صنعاء.

وقد عرف الـ”توك توك” طريقه إلى سوريا عام 2018، وبدأ ينتشر في دمشق عام 2020، لاستعماله كوسيلة نقل عامّة.

وعرفت دمشق أيضاً في هذا العام الـ”باكسي”، وهي عبارة عن “توك توك” كهربائية تُستخدم كسيارة أجرة وتسير على الطاقة الكهربائية، ويقودها سائقون وسائقات.

حينئذٍ علّق ناشطون سلباً على هذه الخطوة، فاعتبروها “قفزة إلى الوراء”، فيما أسف آخرون أن تدخل الـ”توك توك” دمشقَ التي كانت من بين أولى الدول العربية التي دخلتها السيارات.

وكما سوريا، كذلك العراق الذي عرف الـ”توك توك” حديثاً، وعرفه على وجه الخصوص المجتمع البغدادي، فكثر الإقبال عليه من قبل الطبقات الفقيرة، وانتشر بكثافة في الأماكن المزدحمة والمناطق الشعبية.

بدء الاستخدام العائلي

جهاد ميتا هو مؤسّس شركة “ميتا موتورز”، وأحد وكلاء شركة “بياجو” الإيطالية في لبنان.

تأسست شركته في العام 2006، وكانت تستورد أرقى أنواع الدراجات النارية وأغلاها.

لكن منذ تشرين الثاني 2020، بدأ في استيراد الـ”توك توك” من شركة “بياجو” الإيطالية.

وقد باع حتّى اليوم 160 عربة في 4 أشهر فقط، أي 4 عربات كلّ ثلاثة أيام.

أمّا الأسعار فتراوح بين 2300 و2500 دولار أميركي، “فريش” طبعاً.

وفي ما يتعلق بوجهات استعمالها، فيوضح أنّ “معظمها للديليفيري والمطاعم، فيما يستخدمها البعض للنقل.

والمفارقة أنّه خلال الشهر الأخيرة تواصلت معنا 5 عائلات كي تشتريها للاستخدام الشخصي”.

ويختم حديثه معلّلاً سبب استيراده هذه العربات: “الانهيار الاقتصادي بات واضحاً.

لقد أصبحنا في عداد الدول النامية، ونحن اليوم من الشعوب الفقيرة، شئنا أم أبينا”.

ويتابع شارحاً أنّ الـ”توك توك” يسمح بتوفير استهلاك البنزين: “كل صفيحة بنزين تكفي لتسير العربة 450 كيلومتراً”.

أي أنّ السيارة المتوسّطة تستهلك ثلاثة أضعاف ما يستهلكه الـ”توك توك”، الذي يسير في شوارع الأحياء الضيقة والمناطق المزدحمة بسهولة.

 الضاحية والبقاع

قبل سنوات قليلة عرف الـ”توك توك” طريقه إلى بعض مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين، أبرزها في برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية.

فكان وفق تقرير لقناة “الغد” (مرفق أدناه) مصدر رزق يوفّر لقمة العيش لعشرات العائلات.

وبعيداً من المخيمات وضآلة أعداد الـ”توك توك” في أزقّتها، نجد اليوم صوت هذه العربة يرتفع بقوّة في البقاع.

فها هو بلال أبو هيكل يدير وآخرين يديرون شركةً في البقاع لتوصيل الطلبات والنقل اعتماداً على الـ”توك توك”.

يشرح لـ”أساس” عن مشروعه الذي بدأ في شباط 2020: “كنت قد رأيت أوّل عربة توك توك في بدنايل، فأعجبتني الفكرة وقرّرت شراءها لاستعمالها في توصيل الطلبات والديليفيري، وأيضاً سيارة تاكسي للنقل ضمن بلدة بر الياس، لأنّها تُصنّف دراجة نارية ويمنع استعمالها في النقل العام”.

في البداية لم يتقبّل أحد هذا المشروع، يقول أبو هيكل، وطالته سهام السخرية لأشهر.

ثمّ تبدّل المشهد واعتاد الناس على المشهد الجديد.

وخلال أشهر قليلة امتلك 8 عربات وشرع الناس في المحيط القريب يقلّدونه.

مع توسّع أعمال الشركة، انتقل من نقل البضائع والطلبيات إلى نقل البشر إلى قرى مجاورة، مثل شتورة وزحلة وغيرها.

فوراً “تحسّس” سائقو الفانات وسيارات الأجرة، فأبلغوا الشرطة التي راحت تسطّر محاضر ضبط لمن يقودونها من دون دفاتر لسوق الدراجات النارية: “سُطّرت في حقّنا محاضر ضبط كثيرة، وحُجزت لنا مركبات.

وتراوحت قيمة المخالفات، التي دفعتها حتّى اليوم، بين 50 ألفاً و300 ألف لكلّ منها”.

1200 “توك توك” في البقاع

وفي غياب أي طريقة أو إحصاء رسمي، يكشف أبو هيكل رقماً صادماً، وهو الذي يتواصل دائماً مع الشركات التي تبيع الـ”توك توك”.

فيقول إنّه “يوجد اليوم أكثر من 1200 منها في قرى البقاع، اشتراها أصحابها منذ ثورة 17 تشرين”، مشيراً إلى “وجود نوعيّات عدّة، منها الصينية والهندية والإيطالية”.

ويوضح أبو هيكل أنّ “وتيرة العمل على هذه الآلية لا بأس بها، ففي أيام الازدهار كنّا نتلقّى حوالى 500 طلب في اليوم، خلال الدوام الذي يمتدّ من الثامنة صباحاً إلى العاشرة ليلاً. أمّا اليوم ومع الأوضاع الاقتصادية السيّئة فقد انخفض هذا العدد إلى 300”.

أمّا في ما يتعلّق بالتسعيرة، فيوضح أنّها “بدأت بألف ليرة، ولكن لم تعد تغطي التكاليف. فأصبحت بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة بدل الانتقال إلى مكان قريب، والمكان البعيد في رحلة لساعة تقريباً، تسعيرته 15 ألف ليرة وقد تزيد أحياناً.

فالـ”توك توك” تجني في اليوم حوالى 90 ألف ليرة، وأمّا صافي الربح فيراوح بين 30 و50 ألفاً”.

هكذا يتحوّل لبنان من باريس الشرق إلى بلد الـ”توك توك”.. ولا يزال الانهيار مستمراً، ولا تزال الأفراح عامرة في ديار الطبقة السياسية..

 

المصدر أساس