كتب طوني عيسى في” الجمهورية“: يُفترض أن يكون المرء ساذجاً جداً ليقتنع أن كل هذا الفساد هو نتيجة لانعدام الرؤية أو الإهمال فقط، خصوصاً في الأعوام الـ4 الأخيرة، لأن القوى المعنية بالشأن اللبناني، والتي صمتت طويلاً على الفساد، قرعت جرس الإنذار ولا تزال، بحيث يستحيل القول: «لم أكن أعرف».
– في المرحلة الأولى، 2016 – 2018، نقل الأميركيون وحلفاؤهم الأوروبيون والسعوديون تحذيراتٍ وأجواءَ استياء من مسار الفساد وسيطرة إيران. وبلغت الذروة في استقالة الرئيس سعد الحريري في الرياض، 4 تشرين الثاني 2017.
آنذاك، استعان الحريري بصديقه الفرنسي إيمانويل ماكرون للخروج من الورطة، وأطلق وعداً للسعوديين والأميركيين بتغيير النهج. لكن ذلك لم يتحقق. وسارع ماكرون إلى منح لبنان فرصة جديدة من خلال مؤتمر «سيدر» في ربيع 2018، حيث مُنِح لبنان 11 مليار دولار، شرط تغيير النهج. لكن شيئاً لم يتغيّر، وانقطعت «حنفية» الدعم نهائياً، وكان ذلك بداية الدخول في الانهيار عملياً.
– في المرحلة الثانية، من 2018 وحتى اليوم، وقع الانهيار المالي والاقتصادي والسياسي. وفي مقابل الضغط العربي والدولي، يتصرّف «حزب الله» على قاعدة أنه صامد ولو انهار البلد. أي انّ الانهيار أصبح ورقةً يحتاج إليها كل محور في معركته السياسية، أياً كانت الأكلاف.
هنا، تظهر أسئلة عن مغزى الكثير من سلوكيات السلطة المعتمدة بعد 17 تشرين: لماذا لم يُعتمد قانون لـ»الكابيتال كونترول» الذي يمنع تهريب مليارات الدولارات ويحافظ على قدرات أكبر للقطاع المصرفي؟ ولماذا الخبث في إهدار مليارات الدعم التي جرى تهريبُها، وما مصير الأموال التي كانت توزَّع يومياً عبر الصرّافين؟ وما الخلفيات الحقيقية لقرار عدم تسديد سندات «اليوروبوندز»؟
أيضاً، لماذا لا تُقَرّ خطة مالية يتمّ التفاوض عليها مع صندوق النقد الدولي؟ ولماذا يتعطَّل التدقيق في المصرف المركزي والمرافق الأخرى والوزارات؟ ومثل ذلك، عشرات الأسئلة التي يُفترض أن تكون الإجابة عنها بسيطة، لولا الخلفيات المبيّتة للتعطيل.
وثمة مَن يجزم أن نيّات التعطيل السياسي والانهيار المتعمد، لغايات خارجية، تكمن بقوة وراء كل ما يجري. فالجميع يدرك أن مسار الفساد سيقود إلى انهيار الدولة ويجعلها رهينة الخيارات الخارجية. وفي مقابل ضغوط الولايات المتحدة والغربيين والخليجيين العرب، هناك إيران ونظام الرئيس بشار الأسد.
ولكن، في النهاية، هناك «شريك مُضارب» جاهز للانقضاض في لحظة الخراب، وقطف ثمار السقوط اللبناني أيضاً، وهو إسرائيل التي تتحيَّن الفرص لإمرار مشاريعها القوية على حساب الكيان اللبناني الضعيف إلى حدّ التلاشي الكامل.