مبدئياً، من المفترض أن يدخل عمل “منصّة الصرافة” التي سيطلقها البنك المركزي حيز التنفيذ غداً الجمعة، ومن اهدافها ضبط سعر صرف الدولار الأميركي بعدما وصل الى مستويات غير مقبولة. ويُفترض بهذه المنصة أنّ تحل جزئياً مكان الصرافين، بإعتبارها المصدر الاساسي و”الشرعي” لسعر الدولار الذي سيُباع للتجّار والمستوردين، في المرحلة الاولى من إطلاق المنصة. ولكن، الوقائع تتبدد الآمال والتوقعات، حيث الغلبة لسوق الصرافين، في غياب آلية رادعة لكبح الارتفاع المستمر للدولار في السوق الموازية من جهة، وتفلت سوق التجار الجشع والتهريب من جهة ثانية، حيث باتت لقمة عيش المواطن رهينة بيد هؤلاء جميعاً. فهل ستضبط هذه المنصة سعر الدولار، وما ستكون أعلى مستويات ارتفاع العملة الصعبة في السوق الموازية؟.
وحدهم أصحاب المصالح والمؤسسات سيستفيدون في المرحلة الاولى من إطلاق المنصة، حيث سيتم سحب الطلب المؤسساتي للدولار من السوق الموازية الى السوق شبه الشرعية، طالما أنّ هؤلاء التجار سيأخذون دولاراتهم من المصرف المركزي، بغض النظر عن الاشكالية المتعلقة بامكانية إمتلاك مصرف لبنان لإحتياطي يكفي للدفع بالعملة الاجنبية أم لا. سيأخذ هؤلاء الدولارات، أي أصحاب المؤسسات ويستكملون تجاراتهم. بلغة ابسط، سيخف الطلب من السوق الموازية على الدولار من قبل التجار والمستوردين، وينحصر الطلب بطبيعة الحال على الدولار من قبل الافراد للحصول على العملة الاجنبية. فهل يعني هذا بلغة المال أنّ ضعف الطلب على الدولار من قبل هذه الفئة سيؤدي الى إنخفاض سعر الصرف في السوق السوداء؟.
إذا كان هذا السؤال هو ما يشغل بال المواطن، فالإجابة ستكون نعم، ولكن.
قبل شرح هذه الـ”لكن”، لا بدّ من التوقف عند مسار عمل المنصة، ويشرحها الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة في حديث خاص لـ”لبنان 24″. يقول عجاقة: “لا قدرة لهذه السوق على تلبية مطالب المواطن العادي من الدولار، وإنّما سينحصر التعامل بيد التجار والصناعيين والمزارعين المستوردين من الخارج، أقله في المرحلة الاولى من إطلاق المنصة، وبالتالي فإنّ التجار سيتابعون عملهم ومن ضمنه الجزء المتعلق بالتهريب، طالما انّ عمليات التهريب مستمرة ولا قدرة للأجهزة الرقابية على ايقاف هذه المهزلة وجشع التجار.
فإذا لم تجد الاجهزة الرقابية الحل لوقف التهريب وبالتالي استخدام التجار لهذه الدولارات وارسالها الى الخارج عن طريق هذه العمليات، وإستنزاف كل الدولارات الموجودة في البلد، فإنّ المنصة ستفشل، ونجاحها سيكون مرتبطاً فقط بعمل الأجهزة الرقابية من وزارة الاقتصاد الى الجمارك الى كل المؤسسات الرسمية الامنية المعنية بضبط عمليات التهريب، وعدم السماح للتجّار بتهريب البضائع والسلع المدعومة وغير المدعومة إلى خارج الحدود”.
ويضيف عجاقة: “اليوم، ومع اطلاق المنصة، وحصول فئة من التجار على الدولارات بسعر اقل، فإنّهم سيتخدمون اموال المنصة المحرومة على المواطن لتجاراتهم في تركيا وغانا والكويت وغيرها، ولن تقف الامور عند هذا الحد، إنّما سيوسع هؤلاء من عملية تهريب المحروقات الى سوريا”. ويتابع: “عندما يهرّب التاجر الدولار عن طريق التجارة، فإنّه فعلياً يقبض بالدولار بالخارج ويبقي العملة الصعبة خارج لبنان، وبالتالي فإنّهم هم الفئة المستفيدة فعلياً من دولارات المنصة”.
دولار السوق الموازية
فكيف من الممكن أن يستفيد المواطن بالتالي، وهل ستكون له حصة أقلّه من انخفاض سعر صرف الدولار في السوق الموازية؟.
يجيب عجاقة: “عندما يخف الطلب على الدولار من السوق الموازية، لان التجار سيقومون بشراء الدولار من المنصة بسعر أقل، سينخفض السعر تدريجياً في السوق الموازية بسبب انخفاض الطلب بالشكل الحالي، وهكذا تموت “السوق السوداء” لوحدها تدريجياً، وبالتالي فإنّ نجاح عمل المنصّة، سيجعل الدولار ينخفض حكمًا على المدى القصير. أمّا الفشل فيعني أننا فقدنا السيطرة على سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية”.
لذا، يتوقف كل هذا على عمل الاجهزة الرقابية ودورها في ضمان عدم خروج هذه الدولارات الى خارج لبنان، والا فسنكون أمام مشكلة أكبر سببها عمليات التهريب. وبالتالي فإنّ نجاح عمل المنصة سيكون بيد الاجهزة الرقابية. ففي حال تقاعس المصرف في عمله وتقاعست الاجهزة الرقابية في ادائها، من دون الربط بين دولارات المنصة وعمليات التهريب، فسنكون امام كارثة حقيقية مجدداً لن تُحمد عقباها.
على صعيد آخر، يبقى السؤال هل ستبقى الغلبة لسوق الصرافين؟ وهل ستظل هذه السوق الموازية مرجعاً وعنواناً للراغبين في بيع وشراء الدولارات؟ لا جواب نهائيا خصوصا ان المواطن العادي لا يمكنه الاستفادة من اموال المنصة، في موازاة حقيقة تقول أنّ لا حكومة في الأفق، واللبناني يراوح مكانه في ظل ازمة اقتصادية، جعلت من المواطنين “مجرمين” يتقاتلون على علبة حليب مدعومة، او ربطة خبز.