كتب جوني منير في “الجمهورية“: يبدو أيار شهراً صعباً جداً، خصوصاً بعد الانذار الذي اطلقه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول عدم قدرته على الاستمرار في سياسة الدعم في مهلة اقصاها نهايته.
كل عناصر الفوضى والتفجير باتت مكتملة، وهي ان ظهرت الآن على شكل توترات متنقلة، فهي لن تتأخّر في ان تنفجر عنفاً اجتماعياً في الشارع.
الواضح انّ لبنان ينزلق بسرعة في اتجاه مرحلة أشدّ صعوبة وخطراً من تلك التي يعيشها الآن، وعلى الرغم من ذلك لا افق لاحتمال ولادة حكومة جديدة قادرة على الاقل لإحداث صدمة معنوية لا اكثر.
الخطوط الداخلية مقفلة بكاملها، القوى السياسية لا تتزحزح قيد أنملة عن مواقفها. وفي الواقع، خلفية هذه المطالب حسابات شخصية وذاتية ولا علاقة لها بالمصلحة العامة. ورغم اعتقاد مصادر اوروبية بأنّه لا يزال هنالك من امكانية لإنجاز تسوية معقولة، إلاّ أنّها ترى في الوقت نفسه، انّ الحظوظ ليست مرتفعة، وعندها فالكارثة واقعة لا محال. وهو ما يعني انّ بعض العواصم الغربية بدأت ترى أنّ الحلول في لبنان لم تعد ممكنة على البارد. ربما النار التي ستشتعل كفيلة بإنضاج التسويات، وهي ليست المرة الاولى، فهذا ما حصل اكثر من مرة في مراحل سابقة. وما يعزز هذا الاعتقاد انّ ثمة تطورات كبيرة بدأت تتكون على المستوى الاقليمي. فليس تفصيلاً أن يعلن الرئيس الايراني حسن روحاني أنّ نسبة التفاهم حول مفاوضات النووي الايراني وصلت الى 70%، وعلى ما يبدو فإنّ الاستهداف الاسرائيلي للتخريب على المفاوضات ادّى الى نتائج عكسية، أي الى تسريع التفاهمات.
وفي اسرائيل دعوات لمجموعات واسعة، الى تعديل موقف بلادهم، وتجاوز الخلاف الحاصل مع ادارة الرئيس جو بايدن حول النووي الايراني، وبالتالي العمل على تقبّل ما يحصل، تجنّباً لتوسع الخلاف مع الحليف الأكبر. ويُفهم من هذه الدعوات إقرار بأنّ لا رجوع عن الاتفاق الاميركي ـ الايراني، والذي خطا خطوات بعيدة.
وفي العراق، اول اجتماع ايراني ـ سعودي، وهو ما يؤشر الى التعاطي بمرونة مع التحولات الجارية. والاهم تلك المحاور الاقليمية التي بدأت تتشكّل على خلفية التحولات الجديدة الحاصلة، ذلك أنّ اسرائيل، التي شرعت في علاقات كاملة مع البحرين خصوصاً مع الامارات، وقّعت على اتفاقية دفاع ضخمة مع اليونان عنوانها الفعلي فرض حضورها على منطقة شرق البحر الابيض المتوسط حيث الغاز. هذه الاتفاقية التي تبلغ نحو مليار و650 مليون دولار، ستضع حاجزاً امام الطموح التركي الذي قلّص المسافة بين اسرائيل واليونان ومصر وقبرص والامارات واسرائيل وحتى فرنسا.
في اختصار، إعادة تشكيل المنطقة جارية على قدم وساق، فيما المسؤولون في لبنان يغرقون في حساباتهم الضيّقة ويدفعون البلد دفعاً الى عمق الهاوية. ربما هذه التحولات الاقليمية ستنعكس ايجاباً على لبنان عندما يحين اوانها. لكن قبل ذلك، يبدو انّ لا محال من الانزلاق اكثر فأكثر في المرحلة الأصعب والاخطر، والتي قد تكون ضرورية بالنسبة للبعض، لإنتاج الحلول اللبنانية ولكن على النار.