ما عاد السؤال: متى يحصل الانهيار، إذ إنه وقع بالفعل. بل صار السؤال عن المَدَيات وعن الأهداف وعن النهايات.
فعلى مدى الأشهُر الماضية انشغل المواطنون، وانشغل محبو لبنان بأمرين: اثنين:
– الانهيار المالي والمعيشي بشكلٍ متسارع.
– وتعذّر تشكيل الحكومة التي يمكن أن تتدارك هذا الانهيار أو يصبح هناك مَنْ يمكن سؤاله عنه أو حتى محاسبته عليه.
وفي هذين الأمرين بالذات، وتحت وطأة ثوران الشباب ثم الناس جميعاً، كان المفترض أن تهرب أطراف المنظومة من المركب الغارق.
إنما الذي حدث العكس من جانب طرفي المنظومة الرئيسيين: الرئاسة وصهرها، وحزب الله.
فقد تشبث الطرفان بالتعطيل في مسألة إقامة الحكومة القادرة.
والحزب بانتظار ما يحدث في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، أما العونيون فقد تمسكوا بحقهم في تسمية المسيحيين في الحكومة!
لبنان اليوم هو أكبر منتجي حبوب الكبتاغون في العالم. وهذه الصناعة الجليلة التي أتقنها أهل النظام السوري أيضاً صارت هي بدروها جزءًا من “المقاومة” كما أخبرنا أحد شيوخ الحزب. ولله في خلقه شؤون
إنما ما هي البدائل التي أقبل الطرفان على طرحها للخروج من الأزمة؟
العونيون ما ذكروا بدائل، بل انصرفوا للمطالبة بالتحقيق الجنائي الذي هو بزعمهم القادر على كشف الفاسدين بالبنك المركزي والمصارف.
أما الحزب فبحث عن حلٍ خاصٍ ببيئته هو من طريق “القرض الحسن”، ومن طريق السوبرماركات التي تبيع السِلَع بأسعارٍ أقلّ وبطاقة “السجّاد” لنواة بيئته الصلبة.
وما وجد أحدٌ من المواطنين في نهجي عون والحزب أية حلول. فالتحقيق الجنائي – وهذا إذا كان صحيحاً – يحتاج لسنوات حتّى تظهر نتائجه.
والقرض الحسن والسلع الأرخص ليست حلاً حتى لبيئة الحزب.
لكنْ خلال شهور الفجيعة هذه، جرى العمل – وكأنما على سبيل التعمُّد – على تدمير صورة لبنان لدى العرب والعالم.
إذ ما بقيت دولةٌ عربيةٌ أو أوروبية فضلاًعن أميركا وروسيا والصين إلاّ وأخذت علي المنظومة فسادها وسرقتها لأموال المودعين، كما أخذت عليها الأمر البديهي في كل دولة: حق المواطنين في أن تكون لديهم حكومة مسؤولة بغضّ النظر عن الأديان والظوائف والتمثيليات.
إنّ شهور الفجيعة التي اختلط فيها الغضب بالنُواح: الغضب على الميليشيا والمافيا، والنواح على الأموال التي ضيعها الفساد والإفساد والنهب، تلك الشهور المأساوية، تضاف إليها هذه الأيام: أسابيع الفضيحة: الإقدام بدون ترددٍ أو حياء على ضرب المؤسسة القضائية بصراحةٍ وعلناً.
فوقائع القاضية غادة عون تتوالى طوال حوالى الأشهر الثلاثة، وما بدا صراعاً على الصلاحيات بين القاضية عون ومدعي عام التمييز ومجلس القضاء الأعلى، صار في الأيام الاخيرة هجوماً من الغوغاء والأوباش والرعاع تقودهم القاضية الفظيعة لتحطيم المؤسسات المالية الخاصة بحجة كشف فسادها بالقوة، ما دام ذلك ما كان ممكناً بالتحقيق القضائي (!).
فقبل مؤسسة مكتف، استدعت القاضية، الكلية القدرة، حاكم المصرف المركزي للتحقيق معه، كما استدعت أصحاب مصرف الصحناوي.
وفي كل هذه الحالات تبين الخطأ والخطل والفشل، فما بقي غير هجمات وصرخات الرعاع تدعمهم قوات أمن الدولة بالخلع والكسر، مع إنذار بانضمام الحرس الجمهوري إلى هذا الحشد المجيد للعدالة المنفلتة من كل عقلٍ أوعقال.
هذا هو القسم الأوّل أو الفصل الأوّل لأسابيع الفضيحة بعد شهور الفجيعة.
أما القسم الثاني الذي انفجرت وقائعه في الأيام الثلاثة الماضية فتمثل في تصنيع المخدرات في سورية ولبنان وتهريبها من مرفأ بيروت إلى السعودية وعبرها إلى إندونيسيا واليونان ودول أخرى وبأساليب “مبتكرة” لا يعرفها غير واضعي روايات الواقعية السحرية من الرمان إلى البطيخ ويخلق من الشَبَه أربعين.
فضيحة لبنان بتجارة المخدرات ليست جديدة لكنها تعود إلى تفاقم ظروف الأزمة والنقمة لتبلغ حدود الكارثة. ثم إنها تشير إلى أنّ النظام السوري، وبفضل رعاية الحزب المسلح وحمايته، عاد مستطيعاً التحكم بكل شيءٍ في لبنان
لبنان اليوم هو أكبر منتجي حبوب الكبتاغون في العالم. وهذه الصناعة الجليلة التي أتقنها أهل النظام السوري أيضاً صارت هي بدروها جزءًا من “المقاومة” كما أخبرنا أحد شيوخ الحزب. ولله في خلقه شؤون.
ماذا سيفعل المزارعون اللبنانيون الآن وقد منعت المملكة تصدير الفواكه والخضر إليها من لبنان بعد أن نبهت السلطات اللبنانية مراراً إلى هذا الإجرام تعمداً واستهدافاً، أوتفككاً وانحلالاً وفساداً؟ وبعد السعودية أتى إنذار الكويت وعُمان والبحرين.
كأنما جرّبت تلك الدول الشقيقة أيضاً مخرجات عبقرية اللبنانيين السلبية تجاه أمنها وشبانها.
رئيس الجمهورية الذي دعا مجلساً أمنياً موسّعاً لحماية غادة عون، دعا اليوم مجلس الدفاع الأعلى لمناقشة تهريب المخدرات.
وهذا من العجب العجاب.
الرئيس الذي أنّب الأجهزة الأمنية التي لم تعطِ القاضية العونية الحرية الكاملة في الخلع والكسر باعتبارها من “حريات التعبير الحضاري”… ماذا سيقول للجمارك والقوى الأمنية بشأن المعابر السائبة والجمارك الغائبة؟
فضيحة لبنان بتجارة المخدرات ليست جديدة لكنها تعود إلى تفاقم ظروف الأزمة والنقمة لتبلغ حدود الكارثة.
ثم إنها تشير إلى أنّ النظام السوري، وبفضل رعاية الحزب المسلح وحمايته، عاد مستطيعاً التحكم بكل شيءٍ في لبنان، لأنّه بالطبع جزء من “المقاومة” العظيمة ومنها استعمال الكيماوي خمسين مرة في سورية (حسب التقرير الدولي)، والقتل والتهجير، والآن الانتخابات الديمقراطية الرابعة والرائعة للرئيس بشار الأسد، وبمناسبتها الاحتفالية تهريب المخدرات في فاكهة الرمان.
وصدق كارل ماركس: التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه إن فعل يكون في المرة الأولى تراجيديا، وفي المرة الثانية كوميديا.
أما في المرة العاشرة فهي الفضيحة الهائلة للعهد القوي.
يقوم العهد القوي بالتدمير الممنهج للدولة اللبنانية ومؤسساتها. ومن وراء ذلك التدمير الذي لا مردَّ له لصورة لبنان في العالم.
كنتُ أصِفُ لمحسنٍ عربي المبادرات الفردية وجمعيات التضامُن الكثيرة التي ظهرت في المدن والقرى لتلبية الاحتياجات في هذه الأزمة وفي رمضان بالذات.
فقال لي آسِفاً: “لدى الشعب اللبناني حيويات هائلة يعرفها العرب والعالم منذ قرابة القرن. وإنه لامرٌ مؤسفٌ أخيراً أن يجاهد اللبنانيون جميعاً وبتضامنهم من أجل الاستنقاذ من الجوع وليس أكثر.
لقد خسر لبنان كثيراً من صورته وسمعته.
بيد أنّ أكبر ما خسره تلك الدولة العظيمة التي يتنافس كثير من سياسييه اليوم على هدمها”.
هذا هو مآل صورة لبنان لدى محبيه، فما هو مآلها لدى خصومه؟! يا ناس! ما عاد بالإمكان الصبر على هذا العهد الكارثي، لا لجهة الرئيس وصهره ولا لجهة الحزب المسلَّح.
ما عدنا نطيق أنفسنا بهذه الحالة، ولا العرب والعالم يطيقوننا.
النائب إيلي الفرزلي يقترح إرسال الجنرال ميشال عون إلى منزله لأنّ فرنسا ليست على استعدادٍ لاستقباله هذه المرة. لكنه ما اقترح منفىً للحزب المسلَّح وزعيمه. الأمين العام وضْعه أحسن.
فهو إن لم يذهب إلى طهران وقم، يستطيع الذهاب للاستمتاع ” بالخراب الجميل” الذي شارك في صنعه في عدة بلدانٍ عربية: فمن يجرؤ على تعليق الجرس؟