بعد خمسة عشر يوماً من مجيئه إلى الحياة، أصيب حمزة المقداد باليرقان (الصفيرة)، ما أدى إلى إصابته بإعاقة في يده اليسرى وصعوبة في النطق.
في شهر رمضان، ينزل إلى «الشغل» عند الواحدة ظهراً ولا يعود قبل أذان المغرب، البوصلة التي تدلّه على نهاية «الدوام». يحمل على ظهره حقيبة مدرسية زهرية تضم قناني عصير الليمون والفريز والجلاب التي تحضّرها والدته وأخواته الثلاث. بيمناه يجرّ براد الثلج. ويحمل بيسراه الطاولة البلاستيكية بعناء. يصل إلى «نقطته، في محلة الرويس في الضاحية الجنوبية، مطأطأ الظهر وبأنفاس متقطّعة، ويُفرغ «حمولته» على الطاولة.
أكثر من خمسة أعوام أمضاها حمزة في هذه «المصلحة». قبل انتشار وباء كورونا كان قد بدأ بتعلم صناعة القش في «مؤسسة الكفاءات» لذوي الاحتياجات الخاصة، قبل أن يتوجه إلى «بسطته». وكان يجد متسعاً لممارسة الهواية الأحب على قلبه: كرة القدم.
كما الجميع، تغيّرت الأحوال كثيراً على حمزة في هذا العام. ضيفة «ثقيلة» اسمها الكمامة ترافقه طيلة وقت عمله، وتتواطأ مع أشعة الشمس لتزيد شعوره بالحرّ. وأمامه، قناني العصير «بدها صبر أيوب» لتباع بعد أن ارتفع ثمن الواحدة من خمسة آلاف ليرة إلى عشرين ألفاً. سابقاً لم يكن الزبائن كما اليوم يسألون عن الثمن من دون أن يشتروا. يحصل هذا كثيراً اليوم، يبيع يومياً بين عشر قناني عصير وعشرين عبوة، يدّخر بعضاً مما يجنيه منها لتحقيق أمنيته في شراء محل لبيع العصير. لا يهم موقعه أو مساحته. المهم أن ينتقل من الشارع إلى تحت سقف يقيه حرارة الشمس وزخات المطر. يحلم أيضاً أن يصبح لاعب كرة مشهوراً «مثل ليونيل ميسي».