كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: أقفل الاسبوع الفائت على خسارة سياسية واضحة لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي أمام الرئيس سعد الحريري الذي تلقى جرعة معنوية بتوقيع الرئيس نبيه بري، تمثلت بتوصية مجلس النواب بإستمرار تكليفه وإعطائه ثقة جديدة، على أن يبذل الجهود بالتوافق مع عون من أجل الاسراع في تشكيل الحكومة.
ما حصل في مجلس النواب يوم السبت الفائت، أكد بما لا يقبل الشك بأن رسالة رئيس الجمهورية بشأن تشكيل الحكومة كانت “لزوم ما لا يلزم”، فلا هي حركت المياه الراكدة في البركة الحكومية، ولا هي سحبت التكليف من الرئيس الحريري كما يتمنى صاحبها، كما لم تؤد غرضها في الضغط عليه للخضوع لشروط فريق العهد في عملية التأليف، بل على العكس تماما، فقد صبّت الرسالة في مصلحة الرئيس الحريري وفتحت له المجال أمام الرأي العام اللبناني لشن أعنف هجوم على الرئيس عون وتفنيد سلوكياته من التعطيل الى الاساءات الشخصية الى تجاوزه الدستور الى محاولاته إستهداف إتفاق الطائف بممارسات وأعراف “ممنوعة من الصرف”.
لا شك في أن رسالة عون فتحت الباب أمام تساؤلات كثيرة لم يجد معظم المتابعين إجابات شافية لها، لجهة: لماذا أقدم رئيس الجمهورية على هذه الخطوة طالما يعرف بأنها لن تقدم أو تؤخر في موضوع التكليف وفي مسار التأليف؟، ومَن ورّط عون بهذه الرسالة؟، ألا يعلم الرئيس عون موازين القوى في مجلس النواب؟، أم أن فريق قصر بعبدا يعيش في عالم آخر دفعه الى إرتكاب هذه “الدعسة الناقصة” التي قدمت إنتصارا للحريري على طبق من فضة؟.
ثم بعد ذلك، هل كان رئيس الجمهورية موعودا بمواقف معينة في مجلس النواب وفوجئ بعدم الوفاء بها؟، أم أن التخبط بات سيد الموقف لدى عون وفريق عمله لدرجة الارتجال في إتخاذ القرارات؟، وأيضا، أين جبران باسيل من كل ما حصل؟، وهل كان مقتنعا بأن الرسالة ستشكل ضغطا على الحريري؟
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن من يعرف باسيل، يدرك جيدا أنه لا يمكن أن يقع في خطأ من هذا النوع، لكن في الوقت نفسه كان في الجلسة النيابية “متل الأطرش بالزفة” حيث جاءت مواقفه نسخة طبق الأصل مع بنود رسالة عون ما يؤكد أنه قرأها مسبقا وربما شارك في صياغتها.
واللافت، بحسب هذه المصادر أن باسيل حاول من خلال كلمته “دس السمّ بالعسل” حيث إعتمد لغة هادئة جدا، ونفى عن رئيس الجمهورية وتياره أي نية لسحب التكليف من الحريري أو فرض الثلث المعطل عليه، أو مصادرة صلاحياته، لكنه وقع في تناقض واضح من خلال اللعب على الكلام ومحاولة الالتفاف عليه، بحجة الميثاقية والحقوق وتقديم لائحة الوزراء مع طائفتهم ومذاهبهم ومرجعياتهم، وبدا أيضا أن باسيل لم يكن على علم بأن الحريري سيتحدث بهذا السقف السياسي العالي الذي أربكه مع كتلة لبنان القوي التي لم تجد ما ترد به على الحريري سوى بأنه تحدث عن الأزلام و”هذا لا يليق بالوزراء”.
في المحصلة، سجل الحريري في الجلسة النيابية إنتصارا على عون الذي من المفترض أن يدرك بأنه غير قادر على إزاحة الحريري، ما يجعله أمام ثلاثة خيارات، فإما أن يعمل بتوصية مجلس النواب ويتعاون مع الحريري على تشكيل الحكومة لانقاذ البلاد والعباد، أو أن يقدم إستقالته ليتخلص من الحريري كرئيس مكلف خصوصا أنه بدأ يستنفد كل الوسائل التي يمكن أن يضغط عليه من خلالها، أو أن يبقى عهده من دون حكومة ويكون الفشل سمه السنوات الست من العهد العوني.