لم تتوقف طوابير المواطنين اللبنانيين أمام محطات الوقود في مختلف المناطق اللبنانية، واستمرت أزمة الدواء، والتهديد المستمر برفع الدعم وارتفاع الأسعار، ما يجعل المواطن بكل إذلال، يقف على (رجل ونص)في حالة تأهب دائم وقلق متواصل من أن يكون الوضع الحالي مؤشر لحالة الفوضى الشاملة في ظل حالة الاستعصاء السياسي وعدم القدرة على تشكيل حكومة تضمن الطمأنينة للبنانيين والثقة للعرب والأجانب للإسراع في تقديم المساعدات العاجلة إنقاذا للبنان واللبنانيين أمام مجاعة أصبحت تطرق الأبواب، وأمام فوضى أمنية أصبحت على مفارق الطرق.
لا يبدو أن حلولا بالأفق تلوح، ومازال لبنان يعيش مرحلة شد الحبال بين الأطراف المتصارعة، ولا إمكانية بل ولا قدرة على المعالجات التي تبدأ أولا بالاتفاق على تشكيل حكومة، وهذا ما يجعل المشهد قاتما، ليس لأن العدو (الصهيوني والامبريالية العالمية والارهاب الدولي) يشد من عدوانه أو ينشغل بالأوضاع التي يمر بها لبنان، فالعالم أصبح كله في واد ولبنان في واد آخر، وربما تأتي أخبار لبنان السياسية والامنية والاقتصادية في ذيول وسائل الاعلام العربية والعالمية، بل لأن الطبقة السياسية والمالية التي تغلف سلطتها بالدين، لم تعد قادرة على المعالجة الوطنية، ولأن بنيتها لم تعد تصلح لبناء وحماية وإنقاذ وطن، وبالتالي، أصبح الشعب فريسة الوحوش الداخلية وفريسة اطماع سلطة الطوائف والزعمات وكبار التجار التي مازالت تتصدر الحياة السياسية ومن خلفها الأزلام والمحسوبيات تدافع عنها وتهتف لها وتموت دفاعا عن أحذيتها .
وأمام حالة الانهيار، تتكشف عمليات التهريب ونقل المخدرات ، وتتكاثر موجة الشائعات، ويعيش المواطن بحالة من القلق والخوف، ليس على أمواله في المصارف فحسب، بل أيضا على حياته ولقمة عيشه ومستقبل أطفاله.
ولبنان، هذا الوطن العظيم الذي قدم التضحيات واستشهد من أجله خيرة أبناءه لا يستحق كل هذا التعذيب والتخريب، ولا يستحق كل هذا الانهيار، وإذا كانت الهجمات الخارجية التي تعرض لها لبنان خلال العقود الماضية كانت قاسية، فهذا يعني على رجال الدولة والأحزاب والقوى والنخب السياسية أن تكون أكثر انتماء للوطن، وأكثر قدرة على وضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار.
ولكن هل هذا ممكن؟
طبعا لا ، طبعا غير ممكن، لأن القوى الطائفية والمافيات المالية المرتبطة وغير المرتبطة بالمشاريع السياسية لا ترى مصلحة لها في إنقاذ الشعب والوطن، وبعد كل صراع أو انفجار ربما يمكن لطرف ما أن يشير إلى أنه منتصر واستطاع تحقيق أهدافه والتغلب على خصمه، ولكن من ينتصر للوطن، ومن يحقق أهداف المواطن بالحرية والعدالة الاجتماعية وينقذ لبنان من الانهيار.
والبنى الحالية، ليست بنى إنقاذ، لأنها كانت سببا للانهيار والسقوط في مستنقع الأزمات والفشل والفقر، ولم يعد في مقدورها اليوم أن تكون عاملا من عوامل البناء والانقاذ.