
يبدو أن لبنان يتجه نحو المزيد من الانزلاق باتجاه قاع الانهيار، أو نحو “جهنم”، بعد أن وصلت المبادرات والاتصالات والاجتماعات المكوكية إلى طريق مسدود، وفي وقت تستمر طوابير المواطنين أمام محطات البنزين، ويهدد المواطن برعيف الخبز، ويبحث عن الدواء، ويقف بحالة شلل أمام انهيار العملة الوطنية وأسعار المواد الغذائية.
إنها حقا جهنم، ومن وعد اللبنانيين بها، اوفى وعده، واستطاع أن يحقق ما وعدهم به من ان البلد إلى جهنهم، وأكد للمواطنين البسطاء، انه القادر على تحقيق أهدافه والقدرة على العرقلة حتى يتمكن من الوفاء بوعده، ووعده هذه المرة كانت جهنهم، والدخول إليها عبر طوابير البنزين ولقمة العيش والدواء .
تطلق الجمل والعبارات الطنانة والجميلة، تخاطب عقول السذج والبسطات من الشعب، ترتفع شعارات الوهم حتى يبقى الشعب على جهله والسير خلف زعامات، طلب من الشعب أن يكون فداء لأحذيتها.
قدم الرئيس نبيه بري مبادرته، تفائل الشعب خيرا، واتجهت الانظار إلى مبادرة رئيس مجلس النواب، لعلها تكون بديلا عن الجحيم الذي يدخل إليه الشعب بطوابير وصلت من بيروت إلى السماء.
ضاع الوطن، ووصل الجميع إلى الجحيم.. وحاولت وسائل الاعلام عبر العظاء من كتابها تحليل الواقع وتوزيع مخيلاتهم بين إمكانية اعتذار الرئيس الحريري أو عدم اعتذاره عن تشكيل الحكومة.
تشعبت التحليلات وكثرت الأقاويل هو احتمال اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن مواصلة سعيه لتشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها إنقاذ البلد من حالة الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، التهديد بانهيار أمني لا يمكن تصور مشهده بسهولة.
اليوم، اجتمع الرئيس المكلف سعد الحريري بالمجلس الاسلامي الشرعي الأعلى، وأكدت التقارير المتداولة أن الرئيس الحريري وضع مفتي الجمهورية والمجلس الاسلامي بالعقبات التي واجهها خلال تحركه لتشكيل الحكومة، واستعرض الحلول والمعالجات والخطوات المقبلة.
وجاءت مشاركة الرئيس الحريري في اجتماع المجلس اليوم، لتثير فضول المحللين مجددا حول احتمال أن يقدم اعتذاره عن تشكيل الحكومة، وآخرين يعتقدون أن الرئيس الحريري لن يعتذر.
صراحة القول، الرئيس الحريري أكد أن عينه وعين المفتي على البلد، ما يعني أو ما يؤكد ما قاله والده الرئيس الراحل رفيق الحريري” لا أحد أكبر من بلده” ، ولكن من يعتقد اليوم انه اكبر من البلد، وأنه أقوى من البلد، أي طرف اليوم، يشغل نفسه بامتيازاته وامتيازات محازبيه، ولا يرى مصلحة الشعب والوطن، ما يعني ان الذين يدعون الدفاع والاستشهاد في سبيل الوطن، هم يريدون السيطرة على الوطن وقيادته ووضعه في محاور تؤدي حتما إلى تدمير الوطن ويأس الشعب .
أمام هذا الواقع تتكثف الاجتهادات والتحليلات حول مستقبل البلد، ويبدو بالعموم أن البلد يتجه نحو قاع الانهيار، ما يعني أن الانفجار الاجتماعي والأمني قادم لا محال.
ولكن ماذا لو صدق بعض المحللين حول إمكانية اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة؟ من الواضح أن التعصب الطائفي والمذهبي يتخذ منحنيات خطيرة، وكل طائفة في لبنان تستقوي بشعبها البسيط من أجل حماية سيطرتها ومصالحها.
لذلك فإن اعتذار الرئيس الحريري عن تشكيل الحكومة يعني أن طائفة من الطوائف ستشعر بالغبن والقهر والاذلال وهذا ما يولد خللا في البنية الطائفية البغيضة التي تعم لبنان، مقدمة لخراب البلد، ومقدمة لزرع ألغام لا يدري لبنان متي ستنفجر في وجه الجميع.
ثانيا، إن اعتذار الرئيس الحريري الذي استند إلى الدعم العربي والدولي واستند إلى المبادرة الفرنسية، عن تشكيل الحكومة يعني انعدام الثقة الدولية والعربية بلبنان، وبالتالي لا إمكانية لدعمه ومساندته للخروج من الانهيار .
والأهم من كل ذلك أن اعتذار الرئيس الحريري سيؤدي حتما إلى انفجار شعبي واسع لأن الاعتذار سيؤدي إلى المزيد من انهيار العملة الوطنية، والمزيد من ارتفاع الأسعار وفقدان الأدوية والمواد الغذائية .
قدرة الرئيس الحريري على تشكيل الحكومة دون عقبات حتما ستساهم في وقف الانهيار وانقاذ البلد ، وثقة المجتمع الدولي بدعم البلد، ولكن كل الدلائل تشير إلى أن اعتذار الحريري سيكون لها عواقب ليست سهلة، الكثيرون لا يستطعيون تحملها، ما يولد خوف من انفلات الشارع والغرق في بحر المجهول .
لذلك، الشعب يريد خبزا وطبابة وعمل، يريد كهرباء وبنزين، يريد الحياة في وطن حر لا يخضع للطوائف والمذاهب ، فالهجرة لا تتسع للجميع، وعلى من استطاع فرض البرنامج الانتخابي الذي يريده والرئيس الذي يريده والحكومة التي يريدها وتوزير احد اعضاء اللقاء التشاوري، من تمكن من فرض قوته وشروطه، عليه اليوم أن يتحمل مسؤولياته، فالظلام دامس على الجميع، والفقر سيصيب جميع فئات الشعب، سوى المنتفعين والطحالب على ضفاف الزعامات، فغرق قارب الوطن يعني غرق الجميع، وانهيار أوتوبيس الوطن سيموت فيه الجميع : البنزين، وودائع المصارف، والخبز والأسعار لا تميز بين طائفة وطائفة ولا يفرق بين مذهب ومذهب.