البلد غدًا مشلول بفعل إضراب تصاعدي وتصعيدي يقوم به الإتحاد العمالي العام لإيصال رسالة واضحة الأهداف إلى جميع المعنيين بالأزمات المتراكمة التي يعيشها اللبنانيون منذ أكثر من سنة ونصف السنة.
وعلى رغم أن بعض الأوساط في بعبدا توجّه أصابع الإتهام إلى بعض الجهات السياسية بالوقوف وراء هذا الإضراب الشامل بهدف الضغط على العهد من أجل تقديم المزيد من التنازلات، فإن الصرخة العمالية تأتي على خلفية وجع الناس، الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل المزيد من الذّل والقهر والجوع.
ويأتي إضراب الغد بعدما بلغ الخلاف بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب حدودًا بالغة الخطورة. فبعد البيان الرئاسي أمس، الذي صبّ الزيت على النار الحكومية، صدر اليوم عن رئاسة المجلس النيابي تصريح ناري بالمباشر، وجاء فيه أن “قرار تكليف رئيس حكومة خارج عن ارادة رئيس الجمهورية بل هو ناشئ عن قرار النواب أي السلطة التشريعية، والذي يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة هو الرئيس المكلف (الماده 64 من الدستور). ورأى “أن القاضي كان راضيا طالما ارتفع عدد الوزراء الى 24، وطالما حل موضوع الداخلية الى ان اصريتم على 8 وزراء + 2 يسميهم رئيس الجمهورية (الذي ليس له حق دستوري بوزير واحد فهو لا يشارك بالتصويت فكيف يكون له أصوات بطريقة غير مباشرة ).
فأقدمتم على البيان البارحة صراحة تقولون لا نريدسعد الحريري رئيساً للحكومة .
هذا ليس من حقكم ، وقرار تكليفه ليس منكم، والمجلس النيابي قال كلمته مدّوية جوابًا على رسالتكم اليه .”
هكذا تنفجر الازمة الحكومية خلافًا ساخنًا بين بعبدا وعين التينة، وقد تحولت الحرب الباردة بينهما إلى حرب مفتوحة بعدما تبلغ الرئيس نبيه بري الرسالة المباشرة التي وجهت إليه بالأمس ، وفيها إتهام علني له للمرة الأولى بمخالفة الدستور، داعيا إياه الى عدم التوّسع في تفسيره لتكريس أعراف جديدة لا تتآلف معه. وهذا البيان يأتي ردا مباشرا على كلام قاله بري الى تلفزيون “الميادين” أشار فيه الى أن تمسك البعض بشروط تعجيزية سيزيد في تعقيد الأمور وليس انفراجها، والى أنه “حريص جدا على إحترام الدستور وتطبيقه، ولن يسمح باستهدافه أو تجاوزه وخرقه تحت أي ُمسّميات”. وهذا الكلام عتبرته مصادر بعبدا دليلا واضحا على أن “لا مبادرة” في الأساس بل مجرد محاولة لتغليب كفة على أخرى.
ما حدث بالأمس لم يكن الصدام الأول من نوعه. فقد حدث تصادم مماثل قبل أربعة أشهر عندما أصدر الرئيس بري بيانا نفى فيه أولا وجود عامل التعطيل الخارجي، مؤكدا أن العائق من “عندياتنا” وأن السبب الجوهري للتعطيل هو داخلي. وحدد ثانيا المشكلة في الثلث المعطل الذي لا يجوز لأحد على الإطلاق الحصول عليه، قاصدا رئيس الجمهورية وفريقه من دون أن يسميه. ولكن رئاسة الجمهورية لم تحتمل الإتهام المو ّجه إليها بأنها تُصّر على الثلث المعطل وتحميلها مسؤولية التعطيل، فبادرت الى إصدار “بيان ورد” مؤكدة فيه أن رئيس الجمهورية لم يطالب مطلقا “بالثلث المعطل”… ثم واصل بري التصويب على الرئاسة الأولى، وعبر المكتب السياسي لحركة “أمل” الذي أصدر بيانا تحدث فيه عن إصرار البعض على تجاوز روح ونص الدستور وخلق أعراف وقواعد جديدة في أدوار المؤسسات، ودعا “مّدعي الإصالح وشعارات التغيير الى مراجعة مواقفهم”.
ما حصل هو أن التوتر المستجد منذ فترة بين بعبدا وعين التينة انفجر تراشقا سياسيا، وهو ما يؤدي الى إكتمال حلقات الأزمة الحكومية وعملية الوصول الى طريق مسدود، والى توّسع دائرة الإشتباك، بحيث لم يعد مقتصرا على جبهة بعبدا ـ بيت الوسط وإنما توّسع الى جبهة بعبدا ـ عين التينة. وهذا التطّور ناتج عن نظرة الرئيس ميشال عون وفريقه الى ما يعتبرونه دورًا سلبيًا للرئيس بري ويُفقده مقّومات القيام بدور الوسيط النزيه. ولا يُعتبر بري في نظر بعبدا منحازا الى الحريري، وهذا مقبول ومعقول في قواعد اللعبة السياسية، وإنما يُعّد الموّجه والمحّرض الأساسي للحريري والذي يقف وراء التفاصيل والمناورات التي تبدأ بتحميل عون وباسيل مسؤولية العرقلة والتعطيل، وتصل الى حمل رئيس الجمهورية على التنازل وتوجيه ضربة سياسية الى باسيل في آخر وأهم المعارك التي يخوضها، قبل الوصول الى سنة الإستحقاقات الإنتخابية.
وفي السياق الإتهامي لدور الرئيس نبيه بري، يُفهم من أوساط قريبة من قصر بعبدا أن بري كان له دور بارز في إفشال وإسقاط حكومة حسان دياب لإعادة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، وبعدما ربح جولة التكليف واصل تدخله في عملية التأليف.
الحرب المفتوحة بدأت بزخم ولن تنتهي على خير، وفق رأي مصادر سياسية مراقبة، وهذا ما سيقود في الأيام الطالعة إلى مزيد من التصعيد.