كتب جورج شاهين في “الجمهورية”: بات واضحاً انّ التحذيرات التي حملها موفد الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ،والتي عبّر عنها في اطلالتيه الاولى والاخيرة قبيل مغادرته لبنان، لم تلق آذاناً صاغية لدى من في يدهم الحل والربط. فعلى رغم ما حملته من إشارات خطيرة تدلّ الى مستقبل التطورات في البلاد، فقد بقي الجميع على مواقفه، قبل ان ينسف باسيل في اطلالته الطويلة ظهر الاحد، كل الجهود التي بُذلت ومعها كل المخارج المقترحة في شكل التشكيلة الحكومية ومضمونها، والمعادلات التي أرستها المبادرات الداخلية، رغم الرهانات الكبرى عليها، بعدما قال الجميع رأيهم فيها صدقاً او عكس ذلك في السرّ وفي العلن.
وبعيداً من كثير من التفاصيل التي يمكن التوقف عندها، ان جرى تشريح مضمون الإطلالة الباسيلية، فإنّ فيها ما يؤشر الى ما هو خطير وسلبي جداً. فالإشارة الى بعض العناوين العريضة لا يطمئن إلى مستقبل المساعي المبذولة للخروج من النفق المظلم. فإلى التي وجّهها الى العمق المسيحي، إجهاض لكثير مما بنيّت عليه تفاهمات وُضعت لتقاسم النفوذ والمواقع بين قوتين مسيحيتين، بعيداً من أجواء “المصالحة المسيحية” التي اتخذت عنواناً تضليلياً لها. وعبّرت عن النية في استعادة سيناريو الاستقطاب على الساحة المسيحية، بغية اعادة شدّ العصب الحزبي وإلغاء القوى الأخرى، التي يمكن ان تقوم من خارج هذه “الثنائية السلبية” الحادّة. وهي استراتيجية ناجحة استُخدمت في انتخابات 2018 ، وانتهت إلى إلغاء ومحاصرة القوى الوسطية وتحجيمها لمصلحة تركيبة انهارت، ليدفع كلفتها المسيحيون خصوصاً واللبنانيون عموماً.
وإن تطلع المراقبون الى مصير الأزمة الحكومية، فإنّ هذه الاطلالة أدّت الى نسف الجهود التي بُذلت من كل الاطراف، وعادت بها الى نقطة الصفر. وإن وضعت لائحة بالضحايا المتعددي الجنسية والوجوه والأحجام، فأنّها – وان انتهت الى ما أراده الرجل – ستشكّل إنهاء لما تبقّى من المبادرة الفرنسية التي كانت تترنح على قاعدة استحالة التوصل الى حكومة حيادية ومستقلة، تقود البلاد الى طريق التعافي والإصلاح والإنقاذ. وان تمّ النظر إليها على قاعدة توسيع التمثيل الكاثوليكي والدرزي، وحقهّما في التمثيل الوزاري في الحكومة التي اعتُمدت لرفع التشكيلة الحكومية المقترحة من 18 الى 24 وزيراً، فقد أنهتها. كما تحوّل توصيف باسيل لصيغة الـ (8+8+8) التي بُنيت الآمال عليها كمخرج، لتكون معادلة “كارثية” يشكّل الإصرار عليها “خيانة عظمى” للمناصفة بين المسيحيين والمسلمين. عدا عن كونها مسعى يقود الى المحظور الى طريق “المثالثة”. وإن بنيت على قاعدة الثقة التي مُنحت لرئيس مجلس النواب لرعاية المخرج، مدعوماً من “حزب الله”، فقد انتهى “التكليف الملغوم” ممن لا يرتاح اليه مسبقاً ونال ضربة صاعقة لمجرد وضعه في موقع الوسيط “غير النزيه”.
وفي مقابل هذه الملاحظات وأخرى لا يمكن تناولها في مقال، فقد جاءت الإطلالة بما يناقض كثيراً مما طال شرحه. فالتفويض المرفوض او التنازل عن صلاحيات رئيس الجمهورية الذي مُنح للوسطاء الفرنسيين ومن بعدهم لبري وما بينهما لمجموعة من الاصدقاء المشتركين، سلّمه باسيل طوعاً الى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. وسواء سُمّي ذلك إحراجاً للحزب او إخراجاً للأزمة، فإنّ النتيجة الخطيرة التي يمكن ان يقود اليها، انّ التشكيلة الحكومية المقبلة، إن نجح “حزب الله” في توليفها، فإنّها لن تتلاقى ومطالب المجتمعين العربي والدولي، لمجرد “الرعاية”. وعندها، لا يمكن التوقع سوى مزيد من الحصار والعزلة العربية والغربية على لبنان. فهل هذا ما أراده باسيل؟