في نهاية زيارته للبنان إختصر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ما يعانيه لبنان من أزمات، وبالأخصّ الأزمة الحكومية، بالتأكيد “أنّ جوهر الأزمة الحكومية في لبنان ينبع من تناحر الزعماء اللبنانيين على السلطة”، وحضَّهم على تنحية خلافاتهم جانباً وتشكيل حكومة أو المخاطرة بانهيار مالي كامل والتعرض لعقوبات.
كلام بوريل جاء بعد نهار طويل وعريض من السجالات السياسية غير المجدية، والتي بدأت بالكلام العالي السقف لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، الذي لم يسلم منه أحد، حتى أن البطريرك الراعي نال “نصيبه” من “شظاياه”.
“القوات اللبنانية” ردّت على باسيل ببيان مفصّل فندّت فيه مواقفه مما إستدعى ردّا من “التيار”، حيث تبادل فيها الطرفان الإتهامات، بعدما دخل على خط هذه السجالات أكثر من طرف مما جعل جبهة مواقع التواصل الإجتماعي تشتعل وتستعر، في الوقت الذي إرتفعت فيه نسبة إذلال المواطنين الواقفين في طوابير المهانة أمام محطات المحروقات. وقد صدق المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى حين وصف في بيانه الشهير الخلاف السياسي في لبنان بأنه “خلاف على جنس الوزراء”.
لكل من الأطراف اللبنانية وجهة نظر خاصة به بالنسبة إلى مسببات الأزمة، على أساس أن كل طرف على حقّ فيما الآخرون هم دائمًا على خطأ، من دون أن يكون لأي منهم الجرأة في إجراء جردة حساب موضوعية ومجردّة من الغايات والمصالح الشخصية، إذ يكتفي الجميع برمي كرة المسؤولية إلى الملاعب الآخرى، مما دفع البعض إلى التوجّه إليهم جميعًا ومن دون إستثناء أحد، بالقول “إذا إستمريتم على هذا المنوال لن يبقى وطن لكي تتقاسموه أو “تفدرلوه”، خصوصًا أن اللبنانيين الباقين والصامدين على رغم الظروف الصعبة بدأوا يفقدون إيمانهم، وذلك بسبب المهاترات السياسية التي لا جدوى لها، في الوقت الذي تتهاوى فيه أسوار “القسطنطينية”، كما جاء في بيان حركة “امل”، الذي تزامن مع مضمون وجوهر بيان دار الفتوى.
حسنًا فعل الرئيس نبيه بري الذي عمّم على نوابه وقاعدته الشعبية بعدم الردّ على ما جاء في مؤتمر باسيل الصحافي، مع العلم أن البعض إعتبر ان ما تضمّنه هذا المؤتمر من كلام ناري موجهّ بالمباشر إلى رئيس مجلس النواب حين وصف مبادرته بأنها مجرد مسعى، خصوصًا بعدما إتهمه بأنه “وسيط غير حيادي وغير نزيه”، وهو كلام كان من المفترض الردّ عليه بالأسلوب نفسه، لكن المفاجأة كانت في مكان آخر وبإسلوب غير إستفزازي، وذلك بتسريب بعض المعلومات عن إمكانية ترتيب لقاء قد يجمع الرئيس بري بالرئيس ميشال عون، وذلك تدليلًا إلى أن مبادرته لا تزال قائمة، وأن لا شيء يمكن أن يؤثرّ عليها. أمّا في ما يتعلق بإئتمان باسيل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، الذي إستعان به كـ”صديق”، على حقوق المسيحيين، فلم يصدر أي ردّة فعل عن الحزب، وإن كان ثمة من يقول أنه ينأى بنفسه عن مشاكل هو في غنى عنها في الوقت الحاضر وليس في وارد أن يوجع رأسه بخلافات جانبية من شأنها إضاعة البوصلة عن المشاكل الأساسية التي يعاني منها البلد، وهي كثيرة. وهو ليس في وارد مسايرته هذه المرّة، كما يُفهم، ولن يدخل معه في حرب المحاور على رغم التباعد بينه وبين “القوات اللبنانية”، التي وضعت كلام باسيل في خانة تجيير حقوق المسيحيين إلى جهة غير ذات صلاحية.
فعدم ردّ “حزب الله، لا سلبًا ولا إيجابًأ، أزعج النائب باسيل، الذي يبدو أنه يراهن كثيرًا على دعم الحزب في إستحقاقي الربيع وخريف 2022، وهو الذي يعرف أكثر من غيره أنه لولا وقوف القاعدة الشعبية للحزب في المناطق المشتركة لأتت نتائج الإنتخابات النيابية على غير ما هي عليه اليوم، ولما كان تكتل “لبنان القوي” هو أكبر كتلة نيابية.