لم يُفاجئ النائب جبران باسيل بكلامه الأخير الوسط السياسي ولا الشعبي ولا الروحي، كونه في اشتباك دائم مع الجميع، بدءاً بالبطريرك الماروني وليس انتهاءً بمفتي الجمهورية وما بينهما من أحزاب، كما أنه ليس له من حليف يتكئ عليه سوى “حزب الله” الذي يتبادل معه الخدمات، بحيث يُقدّم له غطاءً مسيحياً وهمياً، كونه بات مصطنعاً بسبب هزالة قدرته التمثيلية المتدحرجة، مقابل أن تشمل تياره عناية السلاح ورعايته ووهجه، فيكون باسيل مستفيداً من فرض مدير هنا أو موظف آخر هناك، أم من خلال تحقيق فوز بالتزام مشروع، وربما بصفقة ما أو عمولة مرتفعة في ملف دسم، أو تعطيل تشكيل الحكومة للحصول على حصة ومواقع تفوق حجمه وحزبه، أو غيرها من الملفات التي يعتبرها باسيل أساسية له وترفع من حضوره السياسي في مجتمعه، فيما “حزب الله” يشدّ الخناق على الشعب والدولة، أفراداً ومؤسسات التي أضحت متهاوية ومُفكّكة بفعل أجندة أَعَدّ لها بعناية سنوات طوالاً، تقتضي بإسقاط الهيكل اللبناني بكل ميزاته الثقافية والحضارية والتراثية والمصرفية والطبية، وصولاً إلى تغيير وجه لبنان وضمّه بشكل غير معلن إلى نادي الدول الفقيرة والمفلسة، حتى يسهل عليهم فرض شَرِيعَتِهم التي طالما جاهروا بها وأعلنوا عنها.
فليس عبثاً ولا صدفة أن يتعمّد “حزب الله” ضرب مقومات الدولة بشكل مدروس وممنهج من خلال القضاء على مرتكزاتها، سواءً في تحويل المرفأ إلى بؤرة سائبة ومشرّعة للتهريب، ما يؤدي إلى خسائر فادحة على مستوى تدني الإيرادات، عدا عن الإساءة إلى سمعة الدولة اللبنانية وكل الشعب اللبناني، وكذلك تحويل المطار إلى ساحة غير منضبطة ومثله الحدود السائبة، وغيرها من المرافق التي تتهاوى على عيون الجميع ولا من يعالج، بل هناك من يغض الطرف عن هذا السقوط المترافق بسكوت مُريب حتى وصل الأمر إلى فقدان معظم السلع الأساسية والضرورية لحياة الإنسان مثل الدواء والغذاء والمحروقات والمستلزمات الطبية وغيرها.
خلاصة ما تقدم، فإن المعادلة بين الطرفين، باسيل و”حزب الله”، باتت واضحة للعيان وهي على الشكل التالي: أعطني نفوذاً لا أستحقّه، وافعل في مقدّرات الدولة ما تشاء، المهم أن أضمن وجودي السياسي خاصة بعد العقوبات الأميركية، وخُذ مني غطاءً لكل التجاوزات، حتى ولو اقتضى الأمر بعضاً من الذمّية، كطلب الاحتماء بالسلاح غير الشرعي بدلاً من التمسك بالقانون والدستور، للاستقواء على أبناء بلدي وعلى مَن هم من لَحمي ودمي.
وبذلك بدلاً من أن يُثبت باسيل جدارته ويرتقي إلى مستوى رجال الدولة وإلى مصاف الموارنة العمالقة الذين وُصِفوا بأنهم بناة الدولة وحُماة الدستور، اختار استجداء الوصاية، ورَسَمَ لنفسه طريقاً خَرَجَ فيها منذ زمن عن لغة العقل والمنطق والعنفوان المألوف، فبات من “الخوارج” وليس من “الموارنة”… والسلام.