“مقطوع ” كلمة باتت من أبرز الكلمات المستعملة في لبنان لا سيما في الصيدليات. تسمعها من الصيادلة على امتداد مساحة الوطن فيما أرواح بعض المرضى معلقة بوجود الأدوية التي يسعى اللبنانيون إلى تدبيرها، تارةً عبر أدوية مطابقة أو جنريك وتارة عبر شنطة أحد المسافرين القادمين من بلاد الاغتراب، فيما أسعارها حدث ولا حرج.
ورغم دموع الأمهات والآباء لتحصيل حبة دواء تبلسم الجراح وتمسح حرارة طفل أنهكه عدم وجود كهرباء لتبريد حرارته، فإن المسؤولين لم يحركوا ساكناً.
لكن بعد تهديد الصيدليات بإغلاق أبوابها وفقدان الأدوية لا سيما للأمراض المزمنة، تحرك بعض الدم في شرايين المسؤولين، فعقدوا اجتماعاً في بعبدا خصص للبحث في هذه القضية الحساسة والخطيرة جداً كما وصفها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي لم يحضر جلسة مجلس النواب لإقرار البطاقة التمويلية، لكنه آثر الحضور كي يحذر من أن الناس لن تسكت وأن لا أحد يلومهم، لأن الوضع أخطر بكثير من كل تصوّر وبأن المطلوب التعامل مع هذا الملف بأعلى درجة من المسؤولية لأن النتائج ستكون كارثية، متناسياً أن هذا من مسؤولياته الأساسية ومن مسؤولية رئيس البلاد الذي اعتبر بدوره أن دعم الدواء والمستلزمات الطبية من الثوابت الأساسية للحد من المعاناة الاجتماعية والمعيشية في لبنان.
في محصلة هذا الاجتماع جرى التأكيد على الاستمرار في سياسة دعم الدواء والمستلزمات الطبية ضمن آلية تطبيقية تلحظ الأولوية المحددة من وزارة الصحة العامة والتي تم لحظها في خطة الترشيد التي رفعها الرئيس دياب إلى مجلس النواب. كذلك تم التوافق على ضرورة دعم الصناعات الدوائية الوطنية بالتنسيق بين وزارة الصحة ونقابة صناعة الأمصال والأدوية اللبنانية.
أدوية مخزنة تكفي 6 أشهر
مصادر متابعة للاجتماع أكدت لــ”لبنان الكبير” أن وزير المالية غازي وزني اعتبر أن موضوع الطبابة والأدوية والمستلزمات الطبية من أهم الأساسيات والأولويات ويجب إيجاد حلول جذرية لها، مبدياً تفهمه واستعداده لفعل ما يلزم لحل هذا الأزمة كأولوية صحية وإنسانية.
أما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فكان قد أكد لوزير الصحة حمد حسن خلال اجتماعهما الأخير على استمرار دعم الدواء والمستلزمات الطبية والمواد المستخدمة في المختبرات، وأن هناك موادّ مخزنة تكفي لمدة ستة أشهر، مشيراً الى إمكانية جدولة دفع المتأخرات القديمة للمستوردين على مدى سنة، وصرف قيمة فواتير الأدوية التي وصلت إلى لبنان قبل إقرار الآلية الجديدة، والموجودة في المستودعات.
لكن هل سيلتزم الحاكم بهذا الأمر؟
شراء الجنريك من تركيا
هذا الأمر يبقى أيضاً رهن بالتجار الذين لا يأبهون لحياة المواطنين المرضى ولمصلحة الشعب الذي يئن جراء الأزمة المعيشية الحادة التي تعصف بالبلد، بل همهم الوحيد جيوبهم التي باتت متخمة بالأموال والجشع، حيث يعملون على احتكار الأدوية وتهريبها وتخزينها ومنع وصولها الى الناس طمعاً برفع أسعارها بشكل يومي وعشوائي ما يصعب شراءها.
إلا أن المصادر أشارت لــ”لبنان الكبير” أن وزير الصحة سيعمل بعد زيارته إلى تركيا على اتفاقيات لشراء أدوية الجنريك بشكل مباشر من الشركات التركية، ما يؤدي الى توفير 50% من أسعارها والتخفيف من الأدوية المرتفعة الأسعار ومن نوعيات عالية الجودة لمصلحة أدوية الجنيريك التي تحمل الفعالية نفسها ولكن بأسعار أقل.
وكذلك في ما يتعلق بالمستلزمات الطبية التي سيكون الوفر فيها بنسبة 500% نظراً لرفع المستوردين أسعارها بشكل جنوني.
فضيحة المستلزمات الطبية
وكشفت مصادر مطلعة لــ “لبنان الكبير” فضيحة تتعلق بأحد أنواع المستلزمات الطبية حيث إن ثمن أحد البراغي التي يتم تركيبها للمرضى في حال بعض الكسور لا يتعدى 4 دولارات فيما يتم بيعها في لبنان بـ 104 دولارات أميركية.
ولا يقف الموضوع عند هذا الحد إذ تبين أن هذه البراغي مزورة وذات نوعية سيئة للغاية حيث تم استقدامها إلى لبنان من قبل أطباء تابعين لوزارة الصحة في علبة كرتون وجرى تزوير الأوراق المتعلقة بها وتغيير إسم بلد المنشأ أي الصين والهند وأوكرانيا ومسألة الجودة وبأنها مختومة من إدارة الدواء والغذاء FDA وجرى تعليبها من جديد على أنها مستوردة من إحدى الدول العربية.
وبحسب المصادر تم كشف هذا التلاعب ومصادرة هذه البضائع وتوقيف من قاموا بتزويرها.
قضية لا بد من التوقف عندها إذ أن تزوير برغي قد ينسحب على مستلزمات طبية تستعمل في عمليات القلب والشرايين وغيرها وهي الأخطر في حال كانت مزورة.
إذن مشكلة الدواء والمستلزمات الطبية ستبقى رهن الموافقة الاستثنائية التي سيوقعها كل من رئيسي الجمهورية والحكومة من أجل تثبيت استمرار دعم الدواء والمستلزمات والمغروسات الطبية. لكن هل سيكون استمرار دعم الدواء والمستلزمات على حساب أموال المودعين، أم وفق سعر 3900 ليرة على غرار البنزين والمازوت، لا سيما أن لا أموال لدى الدولة لتغطية ودعم أمور أخرى ملحة؟