“إذا كانت بيروت قد تعرّضت للدمار في تاريخها سبع مرات أو ثماني، فلا بأس إذا تعرّضت اليوم للدمار مرة تاسعة، فسيعاد بناؤها…”، هي عبارة نقلها سليم الحص، في كتابه “عهد القرار والهوى”، عن ميشال عون. قالها الأخير قُبيل حرب الإلغاء التي خاضها في العام 1989، والتي دمّرت العاصمة، في سياق المعارك العبثية الأخيرة التي شهدها لبنان قبل نهاية الحرب.
في 7 أيّار 2008، وهو من أبرز التواريخ في زمن بيروت الحديث، وثّقت الكاميرات القليلة التي تواجدت، أحد الشبان الذي انتزع علم لبنان عن أحد الأعمدة، فرماه أرضاً، ورفع مكانه علماً حزبياً. وقد مثّلت هذه الحركة، على بساطتها، الهدف المخفي وراء 7 أيار ومن أطلق شرارة تلك المعارك الأهلية المسلحّة.
في 13 حزيران من العام 2020، نزلت مجموعات من الشباب، الذين انتحلوا صفة “الثوار”، أفرغت حقدها على بيروت، وقامت بتكسير وسط العاصمة والسوق التجاري، وحوّلت الشوارع إلى ساحات فوضى وكر وفر، فاستيقظ أهالي العاصمة في اليوم الثاني يتفقدون الأضرار التي أصابت الممتلكات الخاصة والعامة.
أما وفي 4 آب 2020، أصبحت بيروت ركاماً على الأرض. قضى أهلها، وتدمّر بنيانها وكل ما فيها، بعد انفجار صُنّف بين الأضخم عالمياً. كان الحدث مناسبةً لإعلان الحداد على لبنان الذي نعرفه، وليس فقط ضحايا إنفجار مرفأ بيروت.
لا نقصد بذكر الحوادث التشبيه أو المقارنة، بل الإضاءة على بيروت، والمراحل المصيرية التي مرت بها العاصمة وكان القصد منها تغيير هويتها. في العام 1989، كان هناك من أراد تدمير بيروت. في العام 2008، كان الهدف ارساء معدلات جديدة وميزان قوى مستجد، أما وفي العام 2020، هناك من أراد عودة بيروت إلى غيبوبتها، وذلك عبر تغيير معالمها، لربما استطاع تغيير هويتها.
السياق التاريخي للأحداث وما تبعها يفضح نوايا من يريد تغيير وجه بيروت، ويؤكّد المؤكد، بيروت لا تُهزم. فبعد التاريخ الأول، نهضت ونفضت غبار الحرب عن ركامها واستيقظت من سبات عميق دام سنوات، فكانت مقصداً للسياح وعاصمةً للمؤتمرات الدولية. بدأ دورها يتلاشى مع التاريخ الثاني، فاضمحلّ حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، في وقت ينتظر أهلها عودتها إلى عصرها الذهبي.
تمثّل بيروت مثالاً مصغراً عن لبنان، الذي يتعرض بدوره لغزوة ثقافية تهدد كيانه ووجوده. هناك من يريد تغيير شكل لبنان، وانطلق من محاولة تغيير شكل بيروت الحضاري والثقافي، هناك من يرفض أن تكون بيروت عاصمة الشرائع، أو منارة الحريات، أو حتى ثقلاً اقتصادياً.
بيروت التي يريدها اللبنانيون لا تشبه بيروتهم المدمّرة، ومن الضروري ذكر تاريخ العاصمة وصمودها، رغم التواريخ الدموية، منذ الإجتياح الإسرائيلي وحتى إنفجار مرفأ بيروت، لإرساء فكرة واحدة، فحواها، بيروت لا تُهزم.