الانهيار المعيشي والجوع يطرق أبواب اللبنانيين

15 يوليو 2021
الانهيار المعيشي والجوع يطرق أبواب اللبنانيين
عبد معروف
عبد معروف

لم يعد الفقر في لبنان ، أرقاماً وتقاريراً وإحصاءات تنشر هنا وهناك، فالشعب اللبناني يعيشه ويعاينه يومياً، المدن اللبنانية نفسها تعاني الفقر، بشوارعها وأحيائها وأهلها ومحالها وأسواقها ، لم يعد مشهد إنسان يلتقط قوته من حاوية النفايات، مستغربا أو مرفوضاً، بل واقعاً يومياً مألوفاً في المدن اللبنانية.

وقد حذرت تقارير وإحصائيات دولية من تداعيات انهيار العملة الوطنية اللبنانية ، وتخوفت من انعكاسات تردي الأوضاع الاقتصادية المخيفة التي يعيشها لبنان ، وتوقعت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية في أحدث تقاريرها أن تزداد نسبة الفقر في لبنان إلى 70 بالمئة ، منهم 30 بالمئة تحت خط الفقر المدقع .

وفي الوقت الذي تنشغل القيادات اللبنانية بحصهها السياسية، حرصا على استمرار نفوذها، شهدت الأيام الأخيرة في لبنان ارتفاعا ملحوظا في أسعار الخبز والمحروقات والأدوية والمواد الاستهلاكية والغذائية المستوردة بغالبيتها، مرورا بالبنزين وتعرفة سيارات الأجرة،علما أن جزءا كبيرا من هذه السلع مدعوم من الدولة.

فقد تزايدت نسبة الفقر في الآونة الأخير ، وفقدت العملة الوطنية قيمتها ، وأصبح المواطنون يشكون من ضيق ذات اليد، واصطف اللبنانيون في طوابير الذل للحصول على مادة البنزين،
ما انعكس على حياتهم اليومية.

إغلاق المحال التجارية والصيدليات وإفلاس المؤسسات ظاهرة أخرى تواجه اللبنانيين وتتحول لمشهد مألوف يومياً، عشرات المحال والصيدليات التي تقفل شهرياً في شوارع المدن اللبنانية ولا يقبل غيرها على الاستثمار، “الماركات” العالمية ترحل بالتدريج عن لبنان ولا يحل مكانها أي بدائل للسوق الذي انتقل من مرحلة التعثر إلى العجز الكامل.

داخل أحياء مدن طرابلس وبيروت وصيدا وصور والنبطية وبعلبك ، فقراء يتوزعون بين زوايا منازلهم البائسة ، يطلقون صرخات الاغاثة ” لم نعد نريد بيت ، أصبحنا بحاجة لرغيف خبز وزيت” ، دمعات الأمهات تبكي أطفالها ، الحاجة أم سعيد إمرأة لبنانية تجاوزت 75 من عمرها ، تجلس تحت غطاء شتوي ، تتحدث عن أحوالها وما وصلت إليه من جوع وفقر لم يعد يطاق.. “عشنا الحروب ، وعشنا الأزمات ، لكن أوضاعنا لم تصل كما وصلت اليوم ، أرفع صوتي للمارة أطلب رغيف خبز لأطفال إبنتي الإرملة .. أطفال تحتاج للأكل ، وأنا مصابة بمرض الضغط والسكري ، وأحتاج للدواء ” وتسأل ودمع العين يتسلل على خديها ” من يعطيني الطعام والدواء؟ “.

وتضيف قائلة، أكلوا حقنا ونهبوا بلدنا واستطاعوا تحويل الشعب الى متسول” ، “بعض المحسنين وجمعيات خيرية تقدم لي المساعدات ، لكن ما يقدم لي وللأطفال لم يعد يكفي ، كل ما عندي لا يشتري ربطة خبز أو كيلو أرز أو عدس ” وتابعت القول ” الغلاء فاحش ، وكثير من الأدوية والمواد الغذائية فقدت من الأسواق “.

“في الحرب نموت مرة ، وفي الجوع نموت كل يوم ألف مرة ” هكذا قالت الحاجة أم محمد قبل مغادرتنا منزلها البائس.

الجولة بين منازل الفقراء في مناطق جبل محسن والتبانة في طرابلس ،ومنطقة وطى المصيطبة والرحاب في بيروت والتعمير وأحياء صيدا القديمة وأحياء مدينة صور وبلدة العباسية جنوب لبنان ، كلها محفوفة بالمخاطر غاضبون يجلسون على جانبي الطرقات ، عيونهم تحدق بالمارة ، أطفال حفاة ، تتوزع في الأزقة والساحات الضيقة ، طفل حافي القدمين يجلس على كتلة اسمنتية أمام منزل أهله .
جدران البيت نخرتها الرطوبة ، والتشققات التي تتسرب منها مياه الشتاء ، بيت بائس لا يوجد فيه سوى فرشتين من الاسفنج وبعض الأغطية التي لا تقي من البرد القارس ، ماذا يأكل هؤلاء وكيف ينامون ؟ .

تقول زينب أم الطفل : لا أعرف بالسياسة ، ولا أتحدث بالسياسة ، لكن ما أعرفه وأعيشه أننا وصلنا إلى حياة لم تعد تطاق ، فقر وحياة قاسية ، جوع وغلاء .. جوع وغلاء .. جوع وغلاء ، لم نعد نستطيع شراء الأكل والدواء ، ربطة الخبز التي كانت تساوي 1000 ليرة ، أصبحت اليوم تساوي 4500 ليرة.

وتابعت زينب “أذهب لسوق الخضار ، أنظر للتفاح ، والبرتقال ، والبندورة والخيار والكوسا، لم يعد باستطاعتي شراء حتى ربطة خبز ، فاعل خير يرسل لي ربطة خبز بين يوم وآخر.

عوامل عدة تراكمت حتى اوصلت نصف الشعب اللبناني إلى دون خط الفقر، الفساد، مع تراكم الأزمات المالية والنقدية وتراجع القدرة الشرائية للمواطن ، وتفشي البطالة وصرف آلاف الموظفين من أعمالهم ، إلى جانب وباء كورونا كوفيد-19 ، وما نتج عن انفجار مرفأ بيروت من أضرار في حياة وممتلكات اللبنانيين والمؤسسات دون أن تظهر في الأفق معالجات جذرية وجدية .

وأبدت منظمة “أنقذوا الأطفال” الدولية ، قلقها العميق من تداعيات الأوضاع الاقتصادية المتردية ، وارتفاع نسبة الفقر وانهيار العملة الوطنية على العائلات والأطفال، الذين يعانون أساساً أوضاعاً اقتصادية هشّة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري.

وتحدثت مديرة المنظمة في بيروت، جنيفر مورهاد، في بيان لها، عن “واقع قاتم للغاية”، مشيرة إلى أن “البقاء على قيد الحياة بات مهمة يومية، لملايين الأطفال وأسرهم الفقيرة” في لبنان.

ويؤكد اللبنانيون أن المساعدات الزهيدة التي تقدمها وزارة الشؤون الاجتماعية لم تضع حدا للفقر والجوع الذي يطرق أبواب اللبنانيين بسبب الانهيار الحاد وارتفاع الأسعار وفقدان المواد الغذائية وحالة التخبط والفوضى التي تعيشها الأسواق اللبنانية ، ما اضطر المواطن اللبناني سامر عساف إلى بيع أثاث منزله ليتمكن من شراء الخبز والطعام والدواء لوالدته.

قال:”كنت أعمل حارسا أمام مكاتب شركة استيراد وتصدير ، بمرتب 750 ألف ليرة لبنانية ، ما يساوي حوالي 500 دولار قبل عامين ، وبعد انهيار الليرة اللبنانية خلال الأشهر الماضية ، بقي مرتبي 750 ألف ليرة ، أي ما يساوي اليوم أقل من خمسين دولارا ” ، وتابع قائلا:” وهل تكفي للطعام والدواء والاحتياجات العائلية ” ، قبل حوالي شهر أقفلت الشركة أبوابها وتم صرفي من العمل ، أنا اليوم عاطل عن العمل ، وأمام الوضع الاقتصادي العام ، ليس هناك فرص للعمل ” ، متسائلا :”ماذا أعمل لأطعم أولادي ، وتأمين الدواء لوالدتي ، قمت ببيع أثاث منزلي ، البراد ، ومقاعد الجلوس ، والتلفزيون ” لم يبق في بيتي إلا هذه الفراش ، وطاولة لم يشتريها أحد ” ، وصرخ بأعلى صوته ” يا رب من أين آتي بالمال “.

حياة سامر عساف وعائلته لا تختلف كثيرا عن حياة اللبنانيين الفقراء الذين طرق الجوع أبواب منازلهم ، ما اضطروا لبيع أثاثها ومحتوياتها من أجل تأمين لقمة العيش أو دواء لمريض.

عند محلة البربير في بيروت ، رجل يبحث عن الطعام في مستوعبات الزبالة ، يرفض الكلام ، ويشير بيده ، يطلب تركه بحاله والابتعاد عنه .

بعض اللبنانيين من أطباء ومهندسين غادروا لبنان ، وبعض آخر ترك هذا الجحيم بطرق غير شرعية ، كان همهم الأساسي وهدفهم الرئيسي مغادرة لبنان ، مئات الأطباء وأساتذة الجامعات ومدراء الشركات المعروفين يغادرون كل يوم إلى دول العالم .

الفقر بات أوضح من أن يخبأ، وآثاره تحيط باللبنانيين من كل اتجاه،كثيرة هي حكايات الفقراء اليوم مع واقعهم المأساوي وحالات الفقر والعوز ، واقع لم يتعرض له اللبنانيون منذ قرن من الزمن .

المصدر بيروت نيوز