“اعتذار” الحريري: الاستشارات مؤجَّلة.. والمجهول يقترب!

16 يوليو 2021
“اعتذار” الحريري: الاستشارات مؤجَّلة.. والمجهول يقترب!

كان اعتذار رئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة متوقَّعًا منذ أشهرٍ طويلة، بل ربما منذ لحظة تسميته من قبل الأغلبية النيابية، خلافًا لإرادة رئيس الجمهورية ميشال عون و”التيار الوطني الحر”. قيل يومها إنّ عون، ومن خلفه الوزير السابق جبران باسيل، لن يسمح للحريري أن يؤلّف، بعدما ناشد النواب عدم تسميته.

 
على مدار أشهر بدت حافلة بالمراوغة والمماطلة والتسويف والتمييع، لم تتغيّر هذه “القناعة”. لم تنجح كلّ المبادرات والوساطات، الداخلية منها والخارجية، في “تعبيد” طريق الحريري نحو السراي، التي بقيت “ملغّمة” بالشروط والشروط المضادة، وبعضها بدا “عصيًّا” على الفهم والاستيعاب، في ضوء “خطورة” المرحلة التي تمرّ بها البلاد، ويواجهها العباد، لا سيما مع “تجنّد” دول كبرى في محاولة لإيجاد الحلّ.

 
تتضارب الروايات حول السبب الحقيقيّ للأشهر الضائعة، التي ترتقي لمستوى “الجريمة” بحق الوطن، لا سيما أنّها سرّعت الانهيار التام والشامل. يقول “العونيّون” إنّ المشكلة في الحريري، الذي ووجه بـ”فيتو” خارجيّ، ورفض التأليف قبل “إلغائه”، فيما يردّ “المستقبليّون” بأنّ “العونيّين” ضربوا كلّ المبادرات عرض الحائط، وأنّهم اعتمدوا منذ اليوم الأول تكتيك “الإحراج فالإخراج”، فكان لهم ما أرادوه أخيرًا.
 
مخاوف مشروعة 
مثلما تتضارب “الروايات” حول حقيقة ما حصل على مدى الأشهر التسعة المنصرمة، ومن يتحمّل مسؤولية وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، تتناقض “التسريبات” حول ما سيتبع الاعتذار من خطوات، في وقتٍ يخشى كثيرون أن تكون كل الطرق أمام “حلّ إنقاذي” مسدودة، وأن يشرّع ما حصل الأبواب أمام “الفوضى والمجهول”.
 
فمع أنّ الاعتذار كان متوقَّعًا منذ فترة طويلة، وقد أرجئ مرارًا وتكرارًا، بسبب تمنّيات من هنا، وضغوط من هناك، إلا أنّ وقعه بدا كبيرًا، وربما خطيرًا، طالما أنّه خرج عن إطار “التكهّنات”، علمًا أنّ ترجمته الأولى على أرض الواقع، وفي الأسواق الموازية، بدت “سلبيّة”، مع توتّرات متنقّلة ومواجهات ميدانية، معطوفة على “هبوط قياسيّ” جديد لليرة اللبنانية، قد يتكرّس عنوانًا شبه يوميّ في الأيام القليلة المقبلة.
 
ومع أنّ الانتخابات النيابية هي، برأي كثيرين، “مفتاح الحلّ” للأزمة السياسية، يخشى كثيرون أيضًا أن يؤدّي اعتذار الحريري إلى تحويل كلّ الأنظار إلى الانتخابات، وبالتالي فتح “المعركة” قبل أوانها، وهو ما قرأه بعض المراقبين خلف “رسائل” الرجل في مقابلته التلفزيونية المسائية، حيث سيعني ذلك “تشريع” كلّ الأسلحة الانتخابية، التي لا تترك أيّ مجال لتسويات وتنازلات وتضحيات لا بدّ من توافرها للوصول إلى حلّ.
 
استشارات “في أسرع وقت” 
في غضون ذلك، تتّجه الأنظار إلى الاستشارات النيابية الملزمة التي ينبغي أن يدعو إليها رئيس الجمهورية ميشال عون عملاً بالدستور، والتي اكتفى بيان الرئاسة ردًا على تصريحات الحريري، بالإشارة إلى أنّها ستحصل “في أسرع وقت ممكن”، من دون تقديم تفاصيل إضافية، أو تحديد أيّ “مُهَل”، ولو من باب الضغط.
 
ويُعتقَد أنّ “سيناريو” التعامل الرئاسيّ مع الاستشارات سيتكرّر مرّة أخرى، وبصورة ربما تكون أكثر تصلُّبًا، حيث سيتمسّك الرئيس عون بما يعتبره “حقه” بعدم الدعوة إلى استشارات، إلا في التوقيت الذي يختاره هو ويجده مناسبًا، والذي يربطه بالتوافق المُسبَق على هوية رئيس الحكومة العتيد، وربما “برنامج عمله”، وقد لا يقبل الدعوة إلى أيّ استشارات تخلص إلى تسمية شخص “ليس على خاطره”، كما حصل مع الحريري مثلاً.
 
ولعلّ ما “يعقّد” المشكلة أكثر أنّ “اختلافًا” غير بسيط في وجهات النظر يبدو قائمًا بين مكوّنات الأكثرية المفترضة، فالثنائيّ الشيعيّ الذي أتى بالحريري، سيتمسّك على الأرجح بمن يسمّيه الحريري، أو يوافق عليه، أو بالحدّ الأدنى “يباركه”، رغم أنّ الأخير قال في حديثه الأخير إنّه “لن يسمّي أحدًا”، في حين يميل “العونيّون” إلى خيارات “المواجهة”، أو بالحدّ الأدنى، تكرار تجربة حسّان دياب بشكل أو بآخر، رغم “مرارتها”.
 
فعلها الحريري واعتذر، فكان الانعكاس المباشر ارتفاعًا لسعر الدولار تجاوز 1000 ليرة في لحظة واحدة، وتوتّرًا في الشارع، وارتباكًا في السياسة، في ضوء “ضبابيّة” الخيارات و”محدوديّتها”. يسأل البعض، هل هذا ما أراده “العونيّون” الذين انتظروا هذه اللحظة منذ أشهر، ولو كان “الحسم” أفضل من “مماطلة” كان يمكن أن تعمّر طويلاً؟!